عندما التقيت «أوزو»، جامع القمامة من ولاية جورجيا وهو في أواخر العقد الرابع من عمره، كان يضع نظارة قاتمة، ويرتدي قميصاً أسوداً طبعت عليه صورة ظلالية لبندقية هجومية وعبارة «السلاح الآن!» والرجل الأبيض الطويل وقوي البنية، نقش على أحد ذراعيه غطاء من الوشوم، وبلحية رمادية كثة. وبدا للوهلة الأولى، مثل شخص مخيف ينتمي لأحد حشود اليمين المتطرف.
لكن في الحقيقة، ربما تراه في أحد تلك الحشود، ولكن مع المتظاهرين المضادين. وقال: «لا ينبغي أن يساور أحد الشك في هذه الدولة أن الفاشية أضحت موجودة»، مضيفاً: «إنها حية وتسعى بيننا وتقودنا إلى مكان ما لا نرغب أن نكون فيه، وهذا جزء من السبب في أنه يضع أسلحة». وقد التقيته يوم الأحد بعد أسبوع مفعم بالرعب تُوّج بمذبحة في «معبد شجرة الحياة». وكان «أوزو» يجلس مع مجموعة من أعضاء آخرين في فرع شمال جورجيا من «الاتحاد الاشتراكي للأسلحة»، وهي منظمة أسلحة يسارية جديدة تحقق نمواً سريعاً، في باحة مطعم إيطالي بأحد أحياء أتلانتا القديمة. ولم يرغب أحد من أعضاء المنظمة في استخدام اسم عائلته، وحتى «أوزو» اسم مستعار من اللغة الإسبانية.
ومهمة «الاتحاد الاشتراكي للأسلحة» هو «تسليح وتدريب الطبقة العاملة من أجل الدفاع عن النفس». وقد تم إطلاق المنظمة بصورتها الراهنة خلال فصل الربيع، وقبل ذلك كانت مجرد مجموعة على موقع «فيسبوك» تحمل الاسم ذاته، ولها الآن أعضاء في الولايات المتحدة بالمئات يدفعون اشتراكات، وأكثر من 30 فرعاً. وقالت المجموعة: «إن 28 عضواً جديداً انضموا إليها يوم الاثنين الماضي بعد حادث إطلاق النار».
وأما «براد»، أستاذ الرياضيات البالغ من العمر 36 عاماً، فهو مؤسس فرع الاتحاد في «شمال جورجيا»، وعضو اللجنة المركزية لـ«الاتحاد الاشتراكي للأسلحة». ولفت «براد» إلى أن بعض الناس مرعوبون مما يحدث الآن في الدولة، موضحاً أنه بدأ مؤخراً يحمل السلاح، بعد تلقيه تهديدات بالقتل بسبب التجمعات الاشتراكية التي كان يحشدها في قريته الصغيرة. وتابع: «يرغب الناس في أن يكونوا قادرين على حماية أنفسهم».
وفي أواخر ستينيات القرن الماضي وبداية السبعينيات، أظهرت بعض مجموعات اليسار المتطرف ولعاً بحمل الأسلحة النارية، وحينئذ، أيّد بعض "المحافظين" السيطرة على حمل الأسلحة كطريقة لنزع سلاح «المسلحين الأميركيين من أصول أفريقية». ومن ثم، وقع «رونالد ريجان» قانوناً يحظر حمل الأسلحة المحشوة عندما كان حاكماً لولاية كاليفورنيا. ويشير «آدم وينكلر» أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا، إلى أن منظمات «الفهود السوداء» والجماعات المتطرفة الأخرى في ستينيات القرن الماضي ألهمت بعضاً من أشد قوانين ضبط الأسلحة في التاريخ الأميركي.
لكن منذ ذلك الحين، باتت ثقافة حمل الأسلحة مرادفاً حقيقياً للتيار المحافظ الأميركي. وربما أن «الاتحاد القومي للأسلحة» هو الآن أقوى جماعة ضغط «جمهورية» في الولايات المتحدة، وتردد في تصريحاتها أصداء تهديدات اليمين المتطرف. وفي هذه الأثناء، اعتنق معظم أنصار تيار اليسار مبادئ السيطرة على الأسلحة، وهو أمر من المستبعد أن يتغير قريباً، لكن كان حتمياً على الأرجح، في ظل سياستنا التي أصبحت أشد استقطاباً وعنفاً، أن تظهر ثقافة تسلح يسارية ناشئة.
وبصفتي ليبرالية، أجد بصفة عامة فكرة إضافة مزيد من الأسلحة إلى ساحتنا السياسية المحمومة أمراً مخيفاً وخطيراً. لكن في بعض الأحيان، يتصور جزء صغير يائس مني أنه إذا كانت بلادنا غارقة في الأسلحة النارية، فربما أن من مصلحة اليساريين أن يتعلموا كيف يستخدموها. وربما أن اليسار المسلح سيشكل حافزاً مرة أخرى للسيطرة على الأسلحة.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»