في التاسع والعشرين من أكتوبر الماضي، صدر تقرير جديد حول التغير المناخي في مدينة «إنخيون» الكورية الجنوبية، عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والتي تشارك فيها 195 دولة، غير أن هذا التقرير لن يسرّ من يقرأه. إذ يشير إلى أن وضع حد لارتفاع دراجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية، سيتطلب «تغييرات سريعة وواسعة النطاق وغير مسبوقة» في أرجاء المجتمع. وما لم يحدث تراجع كبير في معدلات التلوث بالكربون خلال الأعوام المقبلة، وفي موعد لا يتجاوز منتصف القرن الحالي، والتي يمكن أن تتجاوز مستوى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030، فإن هناك مخاطر حقيقية تنتظرنا في المستقبل.
ويزعم تقرير الهيئة أن تلك التوقعات مقدمة «بثقة عالية». ويتطلب الأمر ألا تتجاوز ذروة انبعاثات الكربون عام 2020، قبل أن يبدأ المنحنى في التراجع مرة أخرى، غير أن المشكلة هي أن عام 2017 شهد أحد أعلى مستويات انبعاث الكربون بسبب نمو الاقتصاد العالمي.
ولتحقيق هذه الأهداف، سيتعين على العالم زيادة نسبة الطاقة الكهربائية المولدة من وقود غير أحفوري من 20 في المئة إلى 70 في المئة بحلول عام 2050. لكن من منظور سياسي، يصعب تماماً توقع إمكانية تحقيق ذلك الهدف، غير أنه إذا لم تحدث هذه التغيرات الجذرية، فإن الثروات السمكية الاستوائية ستنتهي، والمحاصيل الغذائية الرئيسة ستتلاشى، والشعاب المرجانية ستختفي.
والنتيجة الأكثر إزعاجاً هي أنه ما لم يتوقف ارتفاع درجات الحرارة، ومن ثم انصهار الثلوج في كلا القطبين، وانبعاث غاز الميثان من الطبقة الجليدية المنصهرة في روسيا وكندا.. فمن الممكن أن نشهد ارتفاع مستوى سطح البحر إلى أعلى من 12 متراً، وسيؤدي ذلك إلى غرقٍ ودمارٍ مروع لكثير من المناطق المأهولة بالسكان والقريبة من الشواطئ في أنحاء العالم.
ويشير تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى وجود حلول تقنية لجل تلك المشكلات، لكنه يشي أيضاً بأنها ستكون حلولاً مكلفة جداً، وليس ثمة دليل على أن الحكومات سترغب في اتخاذ الخطوات الضرورية ما لم يحدث تغيير غير مسبوق في الرأي العام.
بيد أن هناك تقريراً حديثاً آخر يركز بدرجة أكبر على منطقة البحر المتوسط، وقد نُشِر مؤخراً في مجلة مرموقة هي «نيتشر كليمت تشينج»، المعنية بالتغير المناخي، ويشير إلى أن درجات الحرارة في دول البحر المتوسط ارتفعت بمعدلات أعلى من أي مكان آخر على الأرض. وهذه الدول هي الأكثر شهرة كمقاصد سياحية. ومن المتوقع أن يحصل السياح، خصوصاً الذين يدفعون مبالغ طائلة من أجل القدوم إلى المنتجعات في المنطقة، على أفضل الأطعمة والخدمات والمرافق الترفيهية في فصل الصيف الحار. ويتوقعون أيضاً أن تكون الأماكن مكيفة الهواء. ويعني ذلك ارتفاع الطلب على الكهرباء والمياه العذبة أثناء ذروة موسم العطلات، والذي يكون عادة في فصل الصيف، مما يعني أن انبعاثات الكربون ترتفع لأن معظم المولدات تعمل بالوقود الأحفوري. كما أن إحدى طرق التغلب على الطلب المرتفع للمياه العذبة هي إنشاء محطات تحلية مياه. وقد حققت هذه الطريقة نجاحاً كبيراً في عدد من دول المنطقة، لكن بتكلفة عالية، إذ تحتاج المحطات نفسها إلى طاقة كهربائية هائلة، الأمر الذي يفاقم من أزمة التلوث بشكل عام.
وعلاوة على ذلك، ترتفع مستويات مياه البحر في البحر المتوسط ببطء وتتجاوز بصورة متكررة إلى الأراضي الزراعية والمناطق العمرانية الشاطئية، بما في ذلك دلتا نهر النيل، الذي يوفر كميات كبيرة من الإنتاج الغذائي في مصر.
وتهدد المياه المالحة من البحار ودرجات الحرارة في فصل الصيف وتبخر مصادر المياه العذبة، وتأثير ذلك على المحاصيل الزراعية، خصوصاً في أوقات الجفاف الشديد.. بحدوث تأثيرات كبيرة على الاستقرار السياسي في أنحاء المنطقة.
ولعل الارتباط واضح بين موجات الجفاف في شمال أفريقيا وسوريا والاضطرابات التي حدثت في عام 2011. ورغم كل ما كتب وقيل عن هول تلك الاضطرابات، لاسيما الحرب الأهلية السورية، فإنه ليس هناك إلا قليل من الاهتمام بالظروف البيئية الكامنة التي مهدت الظروف لتلك الصراعات.
وفي أنحاء الشرق الأوسط ودول البحر المتوسط، لابد أن يجذب التأثير السلبي المتزايد للتغير المناخي الاهتمام السياسي الذي يستحقه، إذا كانت المنطقة والعالم بأسره يرغبان في تفادي ما يمكن وصفه بالكارثة على أقل تقدير!