وقع ما يمكن وصفه بالزلزال التشريعي بإقرار ثلاثة أنظمة جزائية ستحدث تغييراً كبيراً في العمل القضائي والشُرَطي على مستوى الدولة، وذلك بموجب مرسوم بقانون صدر مؤخراً بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجزائية.
ولنبدأ بالنظام الأول وهو «الأمر الجزائي»، والذي سيكون بموجبه للنيابة العامة، وبالنسبة لجرائم الجنح والمخالفات المعاقب عليها إما بالغرامة وإما بالحبس أو بالغرامة، سُلطة إصدار أمر جزائي بالغرامة على مَن يثبت ارتكابه للجريمة.
ولتصوّر التغيير الذي سيحدثه هذا النظام، فإن قسماً كبيراً من الجرائم، سواء الواردة في قانون العقوبات، أم في القوانين العقابية الخاصة، أم في التشريعات المدنية التي تنص على تجريم بعض الأفعال، هي من نوع الجنح والمخالفات التي يجوز إدراجها ضمن نظام الأمر الجزائي.
وحيث أن أي واقعة مجرّمة تُتخذ الإجراءات بشأنها بداية من مركز الشرطة، ثم تقيّد كقضية في النيابة، ثم تحال إلى المحكمة، ثم قد تُصار إلى الاستئناف والنقض، وهكذا جلسات ونفقات ووقت وجهد.. فإنه بات متاحاً إنهاء القضية في النيابة العامة، عبر «حكم» تصدره على المتهم، هو نفسه الحكم الذي كان يمكن أن يصدر بحقه بعد سلسلة طويلة من المحاكمات. ومع ذلك، ولئلا تجتمع في يد النيابة العامة سُلطة الاتهام والحكم، فللمتهم حق الاعتراض والمطالبة بإحالة قضيته إلى المحكمة بالطريقة المعتادة. كما لا يحول هذا دون ملاحقته من قِبل المتضرر من الجريمة ومطالبته بالتعويض.
أما النظام الثاني فهو «الصلح الجزائي»، وبموجبه يتفق المجني عليه مع المتهم على إنهاء النزاع ودّياً، وتنقضي الدعوى الجزائية على إثر ذلك في جرائم منها الاعتداء بالضرب، والتهديد، والقذف، والسب، والاعتداء على الخصوصية، والشيك من دون رصيد، وخيانة الأمانة، والاحتيال، والغشّ التجاري، وإتلاف مال الغير، وانتهاك حرمة ملك الغير.
وحيث إن الجرائم المذكورة هي أكثر ما يقع بين الأفراد، وإفساح الطريق للتصالح فيما بينهم بمقابلٍ أو من دون مقابل سيخفف العبء عليهم وعلى أجهزة الشرطة والنيابات العامة والمحاكم، إذ بإسقاط المجني عليه حقه الشخصي يسقط الحق العام.
والنظام الثالث هو نظام «المراقبة الإلكترونية»، وهو إجراء يسمح بالتأكد عبر جهاز يحمله الشخص من عدم مغادرته محل إقامته، مع مراعاة ألا يشكّل ذلك أي ضرر على عمله أو تعليمه أو علاجه، أو أن يمس بكرامته وخصوصيته. وسيعمل هذا النظام كإجراء بديل عن الحبس الاحتياطي الذي تصدره النيابة العامة إذا كانت الدلائل كافية لارتكاب شخص ما جريمة، حيث يُراقَب المتهَم عن بُعد بدلاً من إبقائه في التوقيف إلى حين صدور حكم بشأنه، خصوصاً أن بعض القضايا تستغرق شهوراً من التحقيقات وجمع الأدلة. مع استثناء الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم خطرة.
كما يمكن أن يكون هذا النظام بديلاً عن عقوبة الحبس الذي لا يزيد على سنتين، فيقضي الشخص محكوميته في بيته تحت المراقبة الإلكترونية. ويمكن عبره أيضاً إكمال فترة العقوبة المقيدة للحرية لمن أمضى نصف مدة العقوبة إذا كانت لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن خمس سنوات، فلو كان قد حكم عليه بالسجن خمس سنوات، يقضي النصف الثاني من تلك المدة في بيته تحت المراقبة الإلكترونية. ويقع هذا كله ضمن السلطة التقديرية للنيابة‏? ?العامة? ?والمحكمة.