عكس تصدُّر دولة الإمارات العربية المتحدة، دول الخليج العربي في مجال الطاقة، الدور الكبير الذي تبذله الحكومة في سبيل محافظة الإمارات على صدارتها في العديد من المجالات الحيوية، كما تعكس من جهة أخرى طبيعة العمل الجاد الذي تضطلع به الجهات المعنية بتنفيذ مشاريع الطاقة وقدرتها على الاستجابة لتطلعات الدولة والأهداف التي تعمل على بلوغها في إطار الخطط التنموية الكبرى للدولة.
فبحسب العديد من المؤشرات الاقتصادية العالمية، ومختلف التقارير التي تصدرها المؤسسات الدولية، استطاعت الدولة أن تحتل موقع الصدارة في العديد من مجالات الاقتصاد، سواء تعلق الأمر بتنفيذ المشاريع وفق الآجال المحددة أو زيادة نسبة النمو وفق أعلى التوقعات أو جودة الإنتاج، وتحسين الخدمات ومرونة التعاملات الإدارية، هذا فضلاً عن توفير بيئة استثمارية محفزة لأصحاب رؤوس الأموال مع سهولة وتيسير حركة الأموال داخل الدولة وخارجها، بما يتماشى مع القوانين المحلية والدولية.
وها هي الإمارات اليوم تحصد نتيجة السياسة نفسها بقيادتها لدول المنطقة في مجال الاستثمار بقطاع الطاقة خلال السنوات الأربع المقبلة، وذلك بقدرتها الكبيرة على مواكبة النمو المتوقع في استهلاك الكهرباء الذي يرتفع بمعدل 5% سنوياً بسبب الزيادة الملحوظة في النمو السكاني والمضاعفات الناجمة عن زيادة أنشطة التصنيع المختلفة بالدولة. فقد كشف تقرير «الكهرباء في الشرق الأوسط» لـ «فينشيرز أون سايد للأبحاث»، أن قيمة عقود المقاولات المبرمة لتنفيذ مشاريع توليد الطاقة وشبكات التوزيع في الإمارات، وصلت خلال العام الحالي إلى نحو 14.3 مليار درهم، مشيراً إلى أن استثماراتها في قطاع التوليد ستصل إلى نحو 75 مليار درهم، ونحو 12.7 مليار دولار بقطاع شبكات توزيع الكهرباء خلال الفترة ما بين 2018 و2022.
ولعل مصدر قوة دولة الإمارات في مجال الطاقة لا يقتصر على تركيزها على الإنتاج في مجال بعينه، وإنما أسهم تبنيها لسياسة التنويع في إنتاج الطاقة في قدرتها على خلق بدائل دائمة، وربما أقل في التكلفة وأكثر محافظة على البيئة، وبالتالي استطاعت الإمارات أن تعمم تجربتها تلك على العديد من الدول الطامحة إلى إنتاج الطاقة النظيفة، هذا فضلاً عن مساعدتها للعديد من الدول الفقيرة بالطاقة النظيفة.
من هنا يتضح لنا كيف اعتبرت مؤسسة «فينشيرز أون سايد للأبحاث» أن مشروع محطة «براكة» للطاقة النووية، البالغة تكلفته الاستثمارية 24.4 مليار، يعد اليوم الأول من نوعه في الدول العربية، وأكبر مشروع للطاقة النووية يجري العمل على إنشائه في العالم. فبالإضافة إلى كون هذا المشروع سيلبي نحو 25% من إجمالي احتياجات الكهرباء في دولة الإمارات، فإنه سيقلل بشكل كبير من مساهمة الغاز في مجال توليد الطاقة. أما في مجال الطاقة المتجددة، فإن الإمارات تعمل حالياً على تنفيذ أربعة مشروعات كبرى بقيمة 12.3 مليار درهم في مجال الطاقة النظيفة من مجموع 10 مشاريع خليجية بالقطاع.
إن المشاريع الجديدة التي تتحدث عنها التقارير الدولية ليست سوى وجه للنشاط المحموم للإمارات في مجال الطاقة النووية والكهربائية، في حين قطعت أشواطاً كبيرة في مجال الطاقة النظيفة منذ أكثر من عقدين، وذلك بفضل نجاح تجربة شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» لإنتاج الطاقة المتجددة، مقرها مدينة أبوظبي، حيث تعتبر اليوم إحدى أكبر الشركات العالمية للاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة، والتي استطاعت أن تنشئ أول مدينة في العالم خالية تماماً من الانبعاثات الكربونية. وهو نجاح جعل وكالة «بلومبيرج» تصفها بالمشروع الطموح الذي تعتمد عليه حكومة أبوظبي وشركاؤها في القطاع الخاص كمختبر لتجربة التقنيات الخضراء الجديدة. وذكرت الوكالة أن من بين شركاء الإمارات في هذا الإطار، شركات عالمية بارزة مثل «شنايدر إليكتريك» و«سيمنز»، وغيرها من الشركات.

ـ ــ ـ ــ ـ

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.