«كُنَّا نعتقد أنه تم القضاء على الإرهاب، لكن نحن نأمل في أن لا يقضي الإرهاب على تونس، خصوصاً أن المناخ السياسي سيئ جداً». هذا ما قاله الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، بعد أن فجرت انتحارية شابة نفسها وأصابت مجموعة من رجال الأمن وبعض المارة من المدنيين، ثم ادعت «داعش» مسؤوليتها عن الجريمة، قائلة إنها سعت من ورائها لتقويض التجربة الديمقراطية الجديدة في تونس.
وفي باكستان حكمت المحكمة العليا بإلغاء حكم الإعدام على امرأة مسيحية أدانتها المحكمة في عام 2010 بتهمة الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلاف مع جارتها حول كوب ماء. المرأة المسيحية أصرت على براءتها من التهمة، غير أنها قضت ثماني سنوات في السجن في حبس انفرادي.
وقد أدى إلغاء الحكم أخيراً إلى احتجاجات جماهيرية عنيفة قادتها الأحزاب الدينية المتطرفة، حيث طالبت هذه الأحزاب بإقالة الحكومة ومحاكمة السلطة القضائية التي حكمت ببراءة المرأة المسيحية. وقد عمت المظاهرات مدن كراتشي ولاهور وبيشاور ومولتان، وحدثت اشتباكات مع رجال الأمن في هذه المدن.
والسؤال هنا هو: إلى متى تستمر الشعوب العربية والإسلامية ضحية التطرف والإرهاب والسكوت على تصرفات المتطرفين والمغالين بالدين، الذين يشوهون صورة الإسلام السمحة؟ وماذا يفيد الإسلام والمسلمين قتل رجال الأمن والسياح الأجانب في تونس؟ وهل التظاهر والمطالبة بطرد القضاة وقتل امرأة بريئة في باكستان سيعزز صورة الإسلام في الخارج؟ وهل يعتقد الإرهابيون المتشددون في الدول العربية والإسلامية، في آسيا وأفريقيا، بأن التشدد في محاربة الآخرين من الناس المسالمين الأبرياء وتكفيرهم ومحاولة قتلهم.. سيرفع راية الإسلام؟
إن سكوت العالم العربي والإسلامي على حالات التطرف والمغالاة في الدين وخلق الفتن وتأجيج الطائفية بين السنة والشيعة، يجعلنا جميعاً في خانة الاتهام، خصوصاً وأننا نلتزم الصمت وإبداء عدم الاكتراث لما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي من انتهاكات وتجاوزات لحقوق الأقليات الشريكة لنا في الأوطان منذ آلاف السنين.
العالم من حولنا يتغير بسرعة، وقد أصبحت قضايا التسامح والمحبة والسلام والاستقرار واحترام حقوق الإنسان.. من القضايا التي تهتم بها منظمات حقوق الإنسان قبل الحكومات في الغرب.
لماذا تنعم دول العالم الحر بالحرية والديمقراطية والاستقرار السياسي والاقتصادي.. بينما عالمنا العربي والإسلامي غارق في الخلافات الدينية والمذهبية والقبلية.. بل أصبحت أغلب بلدانه من أكثر دول العالم تخلفاً في المسيرة الحضارية وفي التطبيق الديمقراطي، وهي زمنياً تعيش في القرن الحادي والعشرين؟!
علينا أن نقر ونعترف بأن نجاح الديمقراطية في منطقتنا يتطلب قاعدة جماهيرية واسعة تؤمن بها، وهذا يتطلب وجود شعوب متعلمة ومدنية تعي تماماً أهمية المشاركة السياسية والنظام الديمقراطي الدستوري، تقودها نخبة مستنيرة تؤمن بالعدالة والمساواة وحكم القانون.
وفي اعتقادي أن محاربة الإرهاب لن تحقق الهدف المرجو منها طالما أن أساليب محاربة التطرف تعتمد على النهج الأمني العسكري فحسب ولا تشتمل كذلك على مقاربة ثقافية وعلمية. إن محاربة الإرهاب تتطلب أيضاً إبعاد الدين عن السياسة، وعدم المتاجرة به، لا من قبل الحكومات ولا من قبل الجماعات الدينية ذاتها.