أقوى حجة يسوقها الرئيس دونالد ترامب للتنصل من مسؤولية انتشار العنف في البلاد تتمثل في مساواة غير عادلة بين الجميع في تحمل المسؤولية. والمعلقون في التلفزيون أنفقوا الأيام القليلة الماضية محاولين التحلي بالنزاهة، وصرحوا بأن كلا الجانبين ساهم في الافتقار إلى التمدين الذي شجع مخبولين على تنفيذ أعمال عنف مثل إرسال قنابل إلى منتقدي ترامب، أو قتل المصلين في معبد يهودي في بيتسبيرج بولاية بنسلفانيا.
وأشار بعض المحللين، على سبيل المثال، إلى أن «الديمقراطيين» اتهموا «الجمهوريين» باستخدام عبارة مثل «الناس سيموتون» في الجدل بشأن الحصول على التأمين الطبي، لكن هذا كان جزءاً من جدل سياسي ولا يقترب بحال من الأحوال من الخطاب الطافح بالكراهية الذي يستخدمه ترامب كي يذكي ببساطة الغضب والاستياء. ومن الواضح أن أعمال عنف كثيرة وقعت قبل ظهور ترامب على مسرح السياسة، لكن ترامب سمم الأجواء، على خلاف كل رئيس آخر ممن حاولوا ترويض الاندفاع الهمجي لدى الأفراد في وقت الأزمات.
والجدير بالذكر أن «سيزر سيوك»، المتهم بإرسال 14 قنبلة إلى «ديمقراطيين» بارزين، يعد من المؤيدين المتعصبين لترامب ويزين شاحنته بعلامات تعكس التغريدات المعادية للهجرة والانتقادات اللاذعة للرئيس ضد الإعلام و«الديمقراطيين». و«روبرت باورز»، المتهم بقتل 11 شخصاً يوم السبت الماضي في معبد «شجرة الحياة» اليهودي في مدينة بيتسبيرج، كانت تزعجه بشده قافلة المهاجرين القادمين من أميركا الوسطى والمتجهين إلى الحدود الأميركية.
إن ترامب- في محاولته مساعدة «الجمهوريين» في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس- هو من حاك قصة مزيفة عن جماعة المهاجرين ليصورهم كقطيع من الأغراب الغزاة. وكل ما في الأمر أن بضعة آلاف من الأشخاص يسافرون جماعةً ومعظمهم من هندوراس، سعياً وراء الأمن والحصول على اللجوء، وفراراً من الاضطهاد الذي يواجهونه في ظل أنظمتهم القمعية الحاكمة. ولا دليل على وجود إرهابيين في القافلة كما زعم ترامب. وإذا بلغ المهاجرون الحدود بحلول نهاية العام، تستطيع قوات خفر الحدود الأميركية التعامل مع الموقف.
كما استغل «جمهوريون» آخرون ديماجوجية ترامب. ففي أريزونا، ردت «مارتا مكسالي» مرشحة الحزب «الجمهوري» لمقعد الولاية في مجلس الشيوخ بغضب على سؤال بشأن تصويتها في مجلس النواب العام الماضي ضد ضمانات التأمين الصحي للأشخاص أصحاب الظروف الصحية السابقة على التأمين، وسألت المرشحة «الجمهورية» عن سبب عدم دعوتها إلى مناقشة قضايا «حقيقية» مثل قضية القافلة بدلا من هذا.
لقد صعد ترامب سياسياً فوق زعم من نسج الخيال بأن أوباما لم يولد في الولايات المتحدة، وأهان ترامب قاضياً أميركيا مولوداً في الولايات المتحدة بسبب إرثه الثقافي المكسيكي، وسخر بقسوة من شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة وساوى بين محتجين سلميين والنازيين الجدد الذين قاموا بأعمال شغب في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا عام 2017 ووصف الصحافة بأنها «عدو الشعب». ولا شيء من هذا يشبه بحال من الأحوال أكثر حجج «الديمقراطيين» السياسية قسوة ضد خصومهم بشأن الصحة أو الضرائب.
وفي كلا الجانبين، هناك أفراد صرحوا بآراء متطرفة مثل النائب اليميني «جيم جوردون» من أوهايو، أو النائبة «اليسارية» ماكسين ووترز عن ولاية كاليفورنيا. وفي الجانبين، أقدم بعض الأشخاص على تصرفات غير لائقة، فقد أهان أشخاص من اليسار محافظين في مطاعم كما هاجم أشخاص من اليمين نساء ذهبن إلى عيادات الإجهاض. وهناك عوامل كثيرة تساهم في العنف، بما في ذلك تخفيف قوانين امتلاك الأسلحة ومواقع التواصل الاجتماعي. وترامب لم يبتكر الشقاق الاجتماعي الذي يغذي الكراهية لكنه جعله أسوأ.
ينشر بترتب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»