يغلب على كثير من الدراسات العربية حول الاستشراق الدفاع عما يهاجمه المستشرقون، وهو رد فعل طبيعي، أي الدفاع ضد الهجوم. ويتم الدفاع علماً علماً؛ أي العلوم النقلية الخمسة (القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه)، بالرد على نقد الروايات أو التفسيرات الحرفية أو أثر الشرائع اليهودية.. وهي التي كثر ضدها نقد المستشرقين. هذا علاوة على العلوم العقلية النقلية الأربعة: علم الكلام والفلسفة وأصول الفقه والتصوف. وعادة ما يكون النقد من جانب المستشرقين في هذه العلوم الأخيرة الأربعة بالتركيز على الأثر الخارجي اليوناني في الفلسفة وأصول الفقه، والمسيحي في علم الكلام، والهندي أو الفارسي في التصوف.
ويؤرخ المستشرقون الصراع بين المسيحية والإسلام في أربع مراحل: الأولى دخول الإسلام الشام، الثانية دخول الإسلام أوروبا، الثالثة الانتصار على الصليبيين، الرابعة فتح القسطنطينية.
ويقوم ناقدو المستشرقين بتفنيد شبهاتهم حول أمية الرسول، ومسألة الأخذ عن ورقة بن نوفل، والوحي النفسي، ورد القرآن إلى أصول يهودية ونصرانية.. وبإثبات الوحي الإسلامي عبر بيان المعجزات.
وقد أسست دوريات وكتب دورية محكّمة للرد على الاستشراق. كما أنشئت مراكز وأقسام للدراسات الاستشراقية والحضارية، حتى لا يبدو الاستشراق وحده منعزلا عن حوار الحضارات. وهي في النهاية جزء من الدعوة للدفاع عن الإسلام ضد الاستشراق. وتعتني أقسام الاستشراق بدراسة الظاهرة الاستشراقية ونشأتها وتاريخ الاستشراق وأهدافه ومدارسه، ومراجعة الدراسات الاستشراقية حول القرآن والحديث والعقيدة والسيرة والفقه والأصول والتاريخ، والتعرف على مراكز الاستشراق ومؤسساته وأعلامه وإنتاجه.. وصلتها بمراكز التنصير ومؤسساته وبالفكر التنصيري، ربطاً بين الاستشراق والتنصير! وفي كما تهدف هذه الأقسام إلى إطلاع الدارسين على ما يحيط بالإسلام من اهتمامات، وعرض مزايا الإسلام ومحاسنه ومناقشة الشبهات المثارة حوله وتحصين المسلمين ضد الأفكار الخاطئة والشبهات المثارة، وتخريج علماء متخصصين في الاستشراق، وإيجاد علاقة مع المستشرقين المنصفين، وبيان أثر الاستشراق في تعريف الغرب بالإسلام، وإكمال النقص لدى الجامعات في العالم الإسلامي في هذا المجال، وبيان الجوانب الإيجابية والسلبية للاستشراق، وإعداد بيليوجرافيا الاستشراق وتقارير عن مؤتمراته وعرض لأهم كتبه وترجمة أعمال وبحوث مؤتمرات المستشرقين العالمية.
لقد أصبح الاستشراق موضوعاً للدراسة يمكن التأليف فيه؛ ليس مصدراً للعلم، بل أصبح هو ذاته موضوعاً للدراسة والتمحيص. فهو ظاهرة ذات تاريخ طويل، ساهمت في بناء صورة الإسلام والشرق لدى الأوروبيين، وتحديد موقفهم منه. فالاستشراق هو الخلفية التاريخية للاحتكاك الحضاري. له أهداف علمية ودينية وسياسية. ويضرب المثل بالمستشرق جولدتسيهر ودعاويه في بشرية القرآن. وتأثره بأهل الكتاب، والإيهام في تحديد المقصود بالإسلام.
ويتم تناول الاستشراق باعتباره أحد موضوعات الفكر الإسلامي المعاصر الذي أثاره بالاعتراض والنقد في سياق الدفاع. يؤرَّخ له باعتباره موضوعاً له بدايته وأهدافه ونتائجه في تكوين صورة للإسلام منذ العصر الوسيط حتى العصر الحديث. وتظهر صلته بالاستعمار، مستشرقاً تلو الآخر.
وبتركيز شديد وتنظير عال يدخل المفكرون المغاربة لدراسة المسألة الاستشراقية والبحث فيها. وتقل المراجعات للاستشراق عند المستشرقين وعند الباحثين العرب. الاستشراق واقع معرفي مارسته أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر. عندئذ تبنت الأكاديمية الفرنسية اللفظ. وتقوم هذه المعرفة على تصورات تكشف عن صاحبها أكثر مما تكشف عن موضوعها مثل الاختبارات النفسية ومنها اختبارات الحبر لرورشاخ. وكل مجتمع علمي له تقاليده وأعرافه وعصبياته وطقوسه. وقد حاول ذلك فاندنبرج في كتابه «الإسلام في مرآة الغرب». صوّر الاستشراق تركيبةً مواكبة للاستعمار وحركات الاستقلال. وخرج استشراق جديد عند لويس ماسنيون وجاك بيرك يتنصل من التبعية للاستعمار ويشيد بالإسلام وثقافته. يشهد على المجتمع ويعيش تجاربه الحية. وقد انضم إليهما لاوست وكوربان ورودنسون ثم اندريه ميكيل عن طريق الجغرافيا.
أما العرب فيكتفون بأخذ موقف الرفض المتشنج. والقليل منهم من يحلل أزمة الاستشراق تحليلاً موضوعياً بسبب حركة التحرر الوطني، وهز سلطة المعرفة الاستشراقية، وتجاوز الفيلولوجيا، والوعي بالمركزية الأوروبية.
ولعل التحدي بالنسبة لنا هو تحديث علاقتنا بالتراث القومي، وتحديث علاقتنا بالآخر، وتحديث علاقتنا بالسياسة.