تعتبر خطة إدارة ترامب الرامية للانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، طريقة خاطئة لمواجهة المشكلة الحقيقية.
وإذا ما نُفّذت، فستكون خطيرة ومزعزعة للاستقرار، وقد تكون لها نتائج عكسية.
والمعاهدة التي وقعها الرئيسان ريجان، وجورباتشوف عام 1987، كان هدفها تنحية تهديد فئة من الصواريخ الخطيرة التي يتراوح مداها بين 300 و3440 ميلاً.
وفي الحالة الروسية، قد تضرب مثل هذه الصواريخ حلفاء «الناتو» بسابق إنذار لا يتجاوز بضع دقائق، وكان يمكن للصواريخ الأميركية المنصوبة في أوروبا ضرب الاتحاد السوفييتي بالقدر نفسه من المفاجأة.
وقد سلطت إدارة ترامب الضوء على مشكلة حقيقية في المعاهدة، وهي انتهاك روسيا لها منذ عام 2014 على أقل تقدير.
فهي تطور نوعاً من الصواريخ يسميه «الناتو» «إس إس سي -8»، يشكل خرقاً للمعاهدة بسبب قدرته على ضرب الحلفاء الأوروبيين في غضون دقائق من معرفتهم بوجود تهديد.
ومن جانبهم، يؤكد الروس أن الصواريخ الأميركية المرتبطة بنظام الدفاع الصاروخي تشكل انتهاكاً للمعاهدة.
وفي هذه الأثناء، تطور الصين التي لطالما تجنبت خوض مفاوضات الحد من التسلح، صواريخ متوسطة المدى من طراز «دي إف– 26» يمكنها تهديد القوات الأميركية في المحيط الهادئ.
ولا يمكن للولايات المتحدة أن تواجهها بنظيرتها المتمركزة برياً في آسيا، لأن حلفاءها الإقليميين لا حماسة لديهم لنشر هذه الأنواع من الصواريخ.
لذا، هناك منطق مؤكد في الدعوة إلى «الانسحاب»، فروسيا تنتهك المعاهدة، وتزعم أن واشنطن تنتهكها أيضاً، وقد انضمت الصين لنادي الصواريخ متوسطة المدى.
أولاً: عندما يتعلق الأمر بالأسلحة النووية، يمثل مجرد التخلي والعزوف عن معاهدة السيطرة على الأسلحة عدولاً عن مسار المفاوضات للحد من التسلح النووي التي نمضي فيه منذ عقود.
والنتيجة المرجحة للقضاء على هذه المعاهدة هو أن روسيا ستصنع مزيداً من القنابل النووية وسنفعل مثلها.
وهناك بالفعل زهاء 15000 سلاح نووي في العالم، وأطنان من المواد النووية المتفجرة، ولا يرغب أحد في المزيد.
ورغم أن الأسلحة النووية قد تكون سبباً للاستقرار، فإن هذا التأثير يكون أوضح عند وجود درجة من الشفافية بين الدول الموقِّعة على اتفاقيات الحد من التسلح.
وإلى ذلك، سيؤدي الانسحاب من الاتفاقية إلى تشتيت الانتباه عن الحقيقة الجوهرية بشأن الأسلحة النووية، وهي أنها خطيرة.
فكلما زادت الأسلحة، زاد انتشارها بين مزيد من الدول، وكلما زاد احتمال الحرب النووية، لن يكون هناك أمام العالم سبيلاً للنجاة!
ثانياً: سيكون ذلك مثال خاطئ نضعه أمام الدول الطامحة لأن تكون نووية، مثل كوريا الشمالية وإيران، فإذا لم تتمكن الدول الكبرى من ضبط النبض النووي، فلماذا سيتعين عليها هي ذلك؟ ثالثاً: هناك طريقة أفضل للخروج من مأزق «معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى»، بتحويل المأزق إلى فرصة، كما اقترح السيناتور الأميركي السابق «سام نون»، إذ يمكن استغلال إنذار الانسحاب الذي تنص المعاهدة على أن مدته ستة أشهر، لخوض محادثات «استقرار استراتيجي» وعد ترامب وبوتين بإجرائها في قمتهما.
ويمكن من خلال هذه المحادثات، إيجاد حل للاختلافات بشأن ذلك عبر عمليات تفتيش وتبادل معلومات وتدابير شفافية أخرى.
وهناك فكرة جريئة أخرى: إذا كنا فعلاً في عالم جديد من المنافسة متعددة الأقطاب، كما تشير مراجعة السياسات الدفاعية الصادرة عن الإدارة الأميركية، فلما لا نحاول جذب الصين إلى هذه المحادثات؟ إن فرص النجاح ضئيلة، لكن ليس هناك ما نخسره، بل هناك ما نكسبه على صعيد الرأي العام العالمي، إذا رفضت الصين ذلك!
 
جون ماكلافلين
أستاذ الدراسات الدولية بجامعة «جونز هوبكينز»، ونائب مدير سابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»