في عصر ترامب، يتمحور عمل جماعات الضغط المعنية بالسياسة الخارجية على شيء واحد ألا وهو: الوصول إلى ترامب نفسه، بغض النظر عن تكلفة ذلك. وأولئك الراغبون في كسب النفوذ يتقربون من أصدقائه، أو يستضيفون فعاليات باهظة التكلفة بواشنطن العاصمة.
غير أن ناشطة أميركية سورية وجدت مؤخراً طريقة للوصول إلى الرئيس، فقد أنفقت مئات الآلاف من الدولارات لصالح جامعي التبرعات «الجمهوريين» من أجل الاجتماع مع ترامب لدقائق معدودة، وأقنعته بتغيير السياسات الأميركية تجاه سوريا.
وتلك الأموال التي دفعتها طبيبة القلب ريم البزم، المقيمة في نيوجيرسي، من أجل لقاء قصير مع ترامب تبدو ضئيلة بالمقارنة مع الملايين التي تنفقها بعض الشركات أو الحكومات الأجنبية. ولا شك في أن البزم تمكنت من إحداث تأثير. فقد صرّح ترامب علانية في عدد من المناسبات بأنه لولاها لم يكن ليعلم شيئاً، ولما فعل شيئاً، لوقف أزمة إنسانية وشيكة في محافظة إدلب السورية، التي يقطنها أكثر من مليوني مدني من النازحين الذين يخشون هجوماً عسكرياً من نظام بشار الأسد وروسيا وإيران.
وربما أن جهود «البزم» أتت أكلها، غير أن حقيقة أنها تمكنت من تغيير مسار السياسة الخارجية الأميركية يكشف عن نقطة ضعف كبيرة في نظام صنع سياسات الأمن القومي في إدارة ترامب. فإذا كان بالإمكان شراء الوقت الكافي للدفع بسياسة جيدة، فمن الممكن أن تُستخدم في الدفع بسياسة سيئة أيضاً. وقد كشف ترامب للمرة الأولى كيف علم بوجود أزمة في إدلب في حوار صحافي مع «ديلي كولر» أجري في الخامس من سبتمبر الماضي. وعندما سئل حول ما إذا كان قد تكلم مع الروس بشأن هجوم عسكري كان وشيكاً آنذاك على إدلب، فذكر ترامب اجتماعه مع البزم، على رغم من عدم ذكرها بالاسم.
وقال: «كما تعلمون، إنه شيء مهم جداً، فقد كنت في اجتماع في ولاية إنديانا، وكانت هناك امرأة، عقدت معها اجتماعاً إلى جانب أشخاص آخرين»، مضيفاً: «كانت امرأة سورية، وأخبرتني باعتقادها أن هناك ملايين الناس سيقتلون، فأجبتها: كلا، لن يحدث ذلك لأن العالم يراقب، لكنها أوضحت أنها من المنطقة، وأنها تعتقد أن أسرتها ستتعرض للقتل، فخرجت من الاجتماع، ثم قرأت خبراً مهماً حول ما يدور هنا، ثم قلت: (إن المرأة محقة على الأرجح)».
وكشف ترامب أن الاجتماع دفعه في الثالث من سبتمبر إلى كتابة تغريدة على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي يحذر فيها الأسد وروسيا وإيران بشأن ذبح مئات الآلاف من الأبرياء في إدلب.
وغرّد ترامب قائلاً: «لا تسمحوا بحدوث ذلك». ووجّه مساعديه بالضغط على الأسد وشركائه من أجل التراجع.
وبسبب المفاوضات بين روسيا وإيران وتركيا، تم تأجيل الهجوم الذي كان متوقعاً على إدلب. وربما أضافت تغريدات ترامب بعض الضغط الذي ساعد على تفادي الهجوم، لكن على أية حال، كرر ترامب في مؤتمر صحافي يوم 26 سبتمبر في الأمم المتحدة قصة محادثته مع البزم، لكنه في هذه المرة نسب لنفسه الفضل في إنقاذ المدنيين الأبرياء المحاصرين في المحافظة السورية.
وأفاد ترامب: «لقد أوضحت على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، ومنحت «مايك بومبيو» و«جون بولتون» والجميع ذلك الأمر: لا تدعوا ذلك يحدث». وأضاف: «لقد منعت المذبحة، وقد شاهدتم ذلك، ولن ينسب أحد الفضل لي، لكن لا يهم، لأن الناس يعلمون، وهناك كثير من السوريين يشكرونني على ذلك.. وقد حرصت على ذلك وعلى إنقاذ ملايين الناس».
وقد كشفت البزم عن دورها في تلك الملحمة في حوار صحافي الأسبوع الماضي مع صحيفة «وول ستريت جورنال». فأكدت الناشطة السورية المعارضة منذ وقت طويل، أنها جمعت المال مع نشطاء آخرين، وحاولوا بطرق شتى التأثير على ترامب.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»