انعقدت يوم الأربعاء الماضي الدورة الثالثة عشرة من منتدى «الاتحاد» الذي صار تقليداً عزيزاً وراسخاً وغير مسبوق في الصحافة العربية، وكان موضوع هذه الدورة هو «صورة الإمارات في الإعلام»، وقد شرفني منظمو هذه الدورة بطلب التعقيب على أوراق الجلسة الأولى وموضوعها «ملامح الصورة بمرحلة التأسيس والتنمية» التي قُدمت فيها ثلاث أوراق أعدها ثلاثة من كبار المفكرين والأكاديميين والباحثين، هم الدكتور رضوان السيد والدكتور عبد الله جمعة الحاج والدكتور حسن قايد الصبيحي، ولقد كانت قراءة هذه الأوراق بالنسبة لي عملاً ممتعاً أثار لديّ عديداً من الأفكار المهمة وأضاف إلى معرفتي بالتجربة الإماراتية حقائق لم أكن على بينة منها، والواقع أن أكثر ما لفتني في هذه الأوراق الثلاث مزيد من التفاصيل عن الدور التاريخي الذي لعبه المغفور له الشيخ زايد في تأسيس دولة الاتحاد التي أعتز بها كثيراً لأنها النموذج الوحدوي الباقي الوحيد في الوطن العربي، فمن المعروف أن الوحدة العربية كانت حلماً عربياً مشروعاً في أعقاب الاستقلال الذي حصلت عليه أغلبية الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية وأن التيار القومي العربي الرومانسي كان يرى أن النسيج العربي واحد تماماً في الأقطار العربية، ومن ثم فإن الصيغة المثلى للوحدة هي الصيغة الاندماجية، وانعكس هذا التيار على تجربة الوحدة المصرية-السورية، فأخذت بهذه الصيغة التي كانت مسؤولة في تقديري عن عدد من المصاعب الرئيسية التي اعترضت طريق الوحدة، ففي ظل هذه الصيغة يُصبح وجود المكون الأصغر في الوحدة هامشياً، ومن ثم تتولد الحساسيات التي تنشأ منها عوامل تعمل على تُفكك الوحدة، وقد كان ووقع الانقلاب العسكري الذي فصل سوريا عن مصر بعد أقل من أربع سنوات على نشأتها، ولا يعني هذا أنه لم تكن هناك عوامل أخرى وبالذات خارجية تفسر النهاية التي آلت إليها التجربة ولكنه يعني بالتأكيد أن صيغة الوحدة الاندماجية لم توفر المناخ الملائم الذي يمكن من الدفاع عن الوحدة.
وليست لديّ أي معلومات عما إذا كان المؤسس زايد، رحمه الله، قد اطلع على تفاصيل تجربة الوحدة المصرية-السورية واستخلص دروسها، لكن المؤكد عندي أنه تصرف وكأنه استوعب التجربة تماماً وتفادي من ثم مثالبها في التجربة التي وضع بذرتها وتعهدها بالرعاية والحماية حتى أصبحت حقيقة واقعة شامخة، وكانت كلمة السر في هذا الإنجاز غير المسبوق هي «الصيغة الفيدرالية» التي نجحت في التجربة الأميركية وامتدت إلى خارجها في تجارب أخرى عديدة كما في ألمانيا وسويسرا وكندا والهند، وهذه الصيغة هي الوحيدة القادرة على الإدارة السليمة للعلاقة بين مكونات الوحدة كبيرها وصغيرها، ومن الواضح أن إيمان الشيخ زايد بالوحدة كان راسخاً ونابعاً من فهمه الصحيح لكونها سبيلاً وحيداً لبناء القوة، وقد نقلتْ عنه ورقة الدكتور رضوان السيد قوله المشهور في هذا الصدد ومفاده أن دولة الوحدة يكون لها أصدقاؤها بينما لن تحصل الإمارة إلا على الاستتباع، كذلك فإن بعد نظره في مسألة آليات تحقيق الوحدة يستحق التوقف طويلاً، فقد بذل الشيخ زايد جهوداً دبلوماسية مضنية للوصول إلى الصيغة المثلى للوحدة حتى نجح لكن اللافت حقاً هو إيمانه بالإعلام ودوره في تحقيق هذه الوحدة حتى أن ثالث قرار للمجلس الاتحادي في أولى جلساته عام 1968 بعد إقرار اللائحة الداخلية وتشكيل لجان التوحيد كان تأسيس صحيفة رسمية للاتحاد، فنشأت قبله ولعبت دوراً بالغ الأهمية في إثبات جدوى فكرة الاتحاد وعرض الرؤى والتصورات كافة بشأنها وحشد الرأي العام حولها، وهو ما يقدم نموذجاً مشرفاً لدور الإعلام في المجتمع وصولاً إلى دوره في مثل هذا الإنجاز التاريخي، وهو في تقديري أرقى دور ممكن للإعلام، وتواصل هذا الدور بعد تجسيد فكرة الاتحاد، وذلك لبيان المعوقات التي تعترض مسارها وكشفها حتى تتسنى مواجهتها والقضاء عليها، ومن أسفٍ أن تجربة الوحدة اليمنية لم تستفد من دروس التجربة الإماراتية، فعاودت الأخذ بصيغة الوحدة الاندماجية، فكما حدثت مزايدات على المطالبين بالصيغة الفيدرالية في الوحدة المصرية-السورية حدث الأمر نفسه على المطالبين بهذه الصيغة إبان مباحثات الوحدة اليمنية فانتهى الأمر بتكرار النموذج الاندماجي للوحدة المصرية-السورية، ومن ثم سلبياته لتبقى تجربة الإمارات نسيجا وحدها في ساحة العمل الوحدوي العربي، وكل عام والإمارات وصحيفة «الاتحاد» بخير.