لطالما استغل البشر المحيط الجنوبي في القارة القطبية الجنوبية بسبب عطائه الحافل، بداية من سلسلة الغذاء إلى الثروات في قاعه، على مدار أكثر من 200 عام. وقد وصل صيادو عجول البحر إلى هناك في نهاية القرن السابع عشر، وبحلول 1825، كانت عجول البحر ذات الفراء قد شارفت على الانقراض. وبعد ذلك تحول الصيادون إلى أنواع أخرى من عجول البحر وإلى طيور البطريق لاستخلاص الزيوت من أجسادها. وأما صيادو الحيتان فوصلوا مع بداية القرن العشرين، بينما أدت ضغوط الصيد إلى خروج بعض الفصائل من مياه القارة القطبية الجنوبية.
وحتى حيوان القرديس الشبيه بالروبيان، والذي يعتبر مصدراً رئيساً لغذاء الحيتان والبطريق وعجول البحر والطيور البحرية فُتستخرج بمئات آلاف الأطنان سنوياً. ونظراً لأن القارة تتعرض الآن لاضطراب هائل من جراء الاحترار المناخي، فقد بات من الضروري اتخاذ إجراءات متعدد الجوانب لحمايتها وحماية بحارها المحيطة.
واجتمعت خلال الأسبوع الماضي «لجنة حماية الموارد الحية البحرية في القارة القطبية الجنوبية»، المؤلفة من 24 دولة والاتحاد الأوروبي، في مدينة «هوبرات» الأسترالية، للنظر في مقترحات من أجل حماية ثلاث مناطق قبالة ساحل القارة القطبية بإجمالي 1.2 مليون ميل مربع.
وقد كانت خطط المحميات البحرية قبالة الشواطئ الشرقية للقارة القطبية الجنوبية مطروحة منذ سنوات، لكن عرقلتها كل من روسيا والصين. وهذه المنطقة تؤوي الشعاب المرجانية في المياه الباردة والأسفنج الزجاجي، وكثير من المخلوقات الأخرى التي لن تجدها في أي مكان آخر على وجه الأرض.
والآن، هناك مقترح جديد تجري دراسته لإقامة محمية بحرية تحيط بشبه الجزيرة القطبية، إذ أن القارة القطبية الجنوبية هي واحدة من أسرع الأماكن على الكوكب من حيث الاحترار، ومنطقة شبه الجزيرة تواجه ضغوطاً متعددة، بما في ذلك خطر التعرض للتغير المناخي، لاسيما في ظل زيادة الوفود السياحية إلى جانب ارتفاع وتيرة صيد القريدس، والذي أدى إلى حدوث مجاعة بين بعض فصائل طيور البطريق.
وقبل عامين، قررت اللجنة إقامة أكبر محمية بحرية في العالم، لتحظر الصيد التجاري في «بحر روس»، وهي منطقة كبيرة بحجم ولاية ألاسكا الأميركية. وخلال الصيف الماضي، وافقت خمس شركات كبرى متخصصة في صيد القريدس، وتشكل نحو 85 في المئة من القطاع في القارة القطبية الجنوبية، على وقف العمليات في المناطق الرئيسة حول شبه الجزيرة القطبية لحماية الحياة البرية. وأشارت الشركات أيضاً إلى تأييدها لشبكة من المناطق المحمية في الوقت الراهن أمام اللجنة.
لذا، ربما يكون الزخم الآن في صالح القارة القطبية، ولابد أن نأمل ذلك، وإلا سيخسر الكوكب بأسره خسارة فادحة. فعلى رغم من عملية التوقف، إلا أن الخطر الحقيقي، كما شاهدنا في الماضي، يكمن في أننا لن نعرف متى نتوقف عن استخراج موارد القارة القطبية الجنوبية. وفي حين أن المحيط الجنوبي هو جزء من أعالي البحار، ويعتبر منطقة عامة عالمية مفتوحة أمام جميع الدول، إلا أن دولاً قليلة فقط استفادت من ثروته. ولهذا السبب، تعهدت اللجنة بإنشاء شبكة من المناطق المحمية الطبيعية.
ومنذ أن وطأت قدم الإنسان تلك المنطقة، ثبت أن أرض القارة القطبية الجنوبية هي منطقة محرمة، لكن البحر حافل بالحياة الضرورية للكوكب. وفي الحقيقة، يمكن رؤية الطحالب، التي تزود الغلاف الجوي بالأكسجين، من الفضاء. كما أن القريدس، وهو «ترس أساسي آخر في ماكينة النظام البيئي»، حيث يتغذى عليه الحيتان وعجول البحر وطيور البطريق وأنواع كثيرة من الأسماك، قد تم التوصل مؤخراً إلى أنه مفيد جداً بطريقة تسرع من عملية التخلص من الكربون من الغلاف الجوي. وأوضح العالم البيئي «جيرينت تارلينج» من مجموعة أبحاث القارة القطبية الجنوبية في بريطانيا، الذي وثّق هذه الظاهرة، أن ذلك الاكتشاف يمكن أن يبرهن أن القريدس يذيب زهاء 23 مليون طن من الكربون في عمق البحر سنوياً، أي ما يُساوي الانبعاثات السكانية السنوية من الغازات الدفيئة في بريطانيا.
وعلينا أن نقلص المخاطر التي تواجه الأنظمة البيئية في المحيطات، وأن نحقق المرونة المنشودة في مواجهة التغير المناخي عن طريق إقامة محميات بحرية تحمي بقوة 30 في المئة على الأقل من محيطات العالم، بداية بالمحيط الجنوبي.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»