لم تكن هناك أي مشاعر تعلو وجه الإرهابي عندما وصل إلى معسكر مليء بالمراهقين الواثقين المبتهجين. مرتدياً زي ضابط شرطة وحاملاً ترسانة من الأسلحة النارية، استمر في ذبح العشرات. وانخدع بعض الضحايا، الذين كانوا يرتعدون خوفاً، بتعليماته وأعدموا وهم مستلقون ووجوههم للأسفل. وأصيب آخرون رمياً بالرصاص أثناء فرارهم بحثاً عن الأمان. وسلم الإرهابي نفسه بخنوع لقوات الأمن التي حاصرته في النهاية، ووجد الرحمة التي رفض منحها للآخرين..الإرهابي المذكور هو «أندرس بهرنج بريفيك»، الذي نفذ المذبحة الأكثر دموية في التاريخ النرويجي الحديث في 22 يوليو2011. فقد قام بريفيك بتفجير عربة مفخخة في مجمع حكومي في أوسلو ثم واصل إلى جزيرة «أوتويا»، حيث تجمع أعضاء جناح الشباب في حزب «العمل» الذي يمثل يسار الوسط في النرويج. وأدى التفجير إلى مقتل 77 شخصاً.
هذه المذبحة هي موضوع فيلم للمخرج البريطاني «بول جرينجراس»، الذي صدر قبل أسبوعين. فيلم «22 يوليو» يقدم سرداً قوياً للهجمات، ويبحث متعمقاً فيما تبعها –قضية في محكمة اختبرت النظام القانوني في النرويج وصبره، حيث سُمِحَ لقاتل غير نادم تملؤه الكراهية بأن يدلي بشهادته أمام المحكمة مستمتعاً بجرائمه.
وكان يُنظر إلى أفعال «بريفيك» كتلك التي يرتكبها ذئب يميني متطرف مجنون. فقد كان البيان الذي نشره قبل الشروع في موجة القتل ينتقد الهجرة، والتعددية الثقافية والماركسية المفترضة للمؤسسة السياسية، كما هو الحال مع مختلف أعضاء اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة. ووضع نفسه في قالب محارب صليبي من فرسان الهيكل، وتفاخر بأن لديه شبكة من الرفاق على استعداد لحمل السلاح إلى جانبه – على الرغم من أن المحققين لم يجدوا أدلة كثيرة على وجود أي من الموالين الآخرين.
ولكن بعد مرور سبع سنوات، لم يعد بريفيك يبدو وحيداً. ففي جميع أنحاء اسكندنافيا وأوروبا وحتى الولايات المتحدة، تزداد موجة السياسة اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة. وفي حديثه معنا، قال جرينجراس إن «رؤية بريفيك الفكرية المستقبلية» قد اقتربت من المركز السياسي.
وفي مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي أثناء زيارته لواشنطن، قال المخرج البريطاني الكبير «يمكننا اختبار مدى انزعاجنا من خلال مدى وصول بيان بريفيك إلى التيار السائد». ومع انتقاد الرئيس دونالد ترامب وآخرين «للمناصرين للعولمة»، والمهاجرين والليبراليين، يتعين علينا أن نشعر بالانزعاج الشديد، في الواقع.
لقد أخرج جرينجراس سلسلة من الأفلام التي تتناول العنف السياسي والإرهاب، من الطائفية الأيرلندية إلى القرصنة الصومالية. وهو يربط «22 يوليو» بفيلم «يونايتد 93» الذي أخرجه عام 2006، والذي يروي الأحداث على متن طائرة ركاب استولى عليها مختطفون تابعون لتنظيم «القاعدة» في 11 سبتمبر. وقد حارب المسافرون ضد الإرهابيين الذين استولوا على الطائرة، التي تحطمت في النهاية في حقل مشجر في بنسلفانيا.
وقال «جرينجراس» إن كلا من المتشددين الإسلاميين وبريفيك كانوا منخرطين في «ثورة ضد العولمة». وبينما يمثل «بريفيك» بالكاد شعبويين يمينيين متطرفين، يقول مخرج الفيلم إن هناك جزءاً من الحركة «التي بدأت تستخدم لغة وتعتنق معتقدات لم تعد متوافقة مع الأعراف الديمقراطية». ورغم ذلك، فإن بيان «بريفيك»، ولله الحمد، وليس تصرفاته، يقدم نافذة على الخطر الحقيقي الذي يواجه الديمقراطية الليبرالية.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

 
بعد مرور سبع سنوات، لم يعد الإرهابي «بريفيك» وحيداً، ففي جميع أنحاء اسكندنافيا وأوروبا وحتى الولايات المتحدة، تزداد موجة السياسة اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة.