على مدى سنوات عديدة سابقة، كثيراً ما كانت صفقات بيع الأسلحة الحربية والتكنولوجيا العسكرية الداعمة وأساليب التدريب والتمرن على إدارة المعارك وخوض الحروب، في علاقات الحلفاء والأصدقاء جزءاً لا يتجزأ من الدبلوماسية الخارجية لمعظم دول العالم. وتتضح تلك الحقيقة بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط، حيث تمد الولايات المتحدة حلفاءها الرئيسيين وشركاءها الموثوقين بإمدادات الأسلحة المهمة اللازمة للحفاظ على أمنهم الوطني، وذلك في خضم النزاعات الإقليمية داخل محيط مضطرب ومشتعل بحروبه وصراعاته الساخنة والباردة معاً. وبالطبع تنطوي عمليات بيع الأسلحة العسكرية على أمور أكبر من ذلك بكثير. فهناك أهمية مساوية للتدريب والصيانة وقطع الغيار والبنية التحتية والاتصالات والعناصر الرئيسة الأخرى في خط الإمداد اللوجستي الطويل الذي يصاحب أية عملية بيع لتكنولوجيا عسكرية متطورة.
وقد يكون من المفيد في هذا المقام أن أسوق بعض الأمثلة التاريخية لإظهار مدى أهمية بيع العتاد الحربي في المراحل الفارقة من التاريخ خلال فترة مئتي عام السابقة.
فمن دون توريد الأسلحة والمعدات العسكرية الفرنسية، كان من المستبعد أن يتمكن جيش جورج واشنطن المهترئ من الانتصار في الحرب الثورية ضد بريطانيا، أو أن يُحقق استقلال الولايات المتحدة الأميركية عن لندن. وبعد بضعة عقود لاحقة، وتحديداً في الأيام الأخيرة من الحروب النابليونية في أوروبا، كانت الإمدادات البريطانية من الأسلحة والملابس والذخائر محورية في المساعدة على تحقيق انتصارات الحلفاء ضد قوات نابليون في إسبانيا وشمال أوروبا.
وفي بداية الحرب الأهلية الأميركية، لم يكن لدى ولايات الاتحاد الشمالية وقوات الكونفيدرالية الجنوبية ما يلزم من أسلحة لخوض حرب مطولة. ولم تكن لديها مصانع لتصنيع المعدات الحربية قادرة على إنتاج الكميات الكبيرة من الذخائر اللازمة لحرب معاصرة. وتنافس كلا الطرفين على السعي للحصول على إمدادات أسلحة ومعدات حربية جوهرية أخرى من أوروبا. وقد كان اعتماد ولايات الاتحاد على العتاد الحربي الأوروبي محورياً، وإن لم يستمر إلا لفترة قصيرة.
وخلال الأشهر الأولى من الحرب كان يتم استيراد أكثر من عشرة أضعاف العتاد العسكري الذي يتم إنتاجه في الداخل الأميركي. ومع بداية عام 1863، انتهت جميع المشتريات من الخارج، إذ توسعت مصانع الأسلحة في ولايات الاتحاد توسعاً كبيراً، وحققت هذه الولايات اكتفاءً ذاتياً للقوات الشمالية في مجال التسلح. لكن ذلك لم يكن الحال مع قوات الكونفيدرالية التي ظلت تعتمد على أوروبا في الحصول على الأسلحة والمواد الأساسية حتى نهاية الحرب الأهلية.
أما حروب البلقان في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فقد أججتها صفقات بيع الأسلحة الأوروبية الضخمة والدعم التدريبي للمشاركين المحليين في الصراعات.
وقد كانت الأسلحة الأميركية هي التي أنقذت بريطانيا في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية، ووفرت إمداداً مهماً للقوات السوفييتية التي كانت تعاني في ظل الغزو الألماني للاتحاد السوفييتي عام 1941. وأعلن الرئيس فرانكلين روزفيلت، وبفخر وطني كبير، أن الولايات المتحدة الأميركية أضحت «ترسانة الديمقراطية».
وخلال اشتداد منافسات الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي، كان وضحاً للجميع في وقته، وبشكل كبير، أن كميات هائلة من الأسلحة قد تم بيعها إلى دول في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، للفوز بتأييد الدول التي يطلق عليها اسم «دول عدم الانحياز في الصراع الأيديولوجي» بين المعسكرين الشرقي (الشيوعي) والغربي (الرأسمالي).
وفي مرحلتنا الراهنة، قدمت الولايات المتحدة استثمارات مهمة لدعم أمن حلفائها الرئيسيين في الشرق الأوسط، ومن المستبعد أن يتوقف ذلك الدعم طالما استمر الصراع في مناطق وبؤر عديدة من المنطقة، لاسيما في سوريا، حيث يوجد نشاط للجماعات الإرهابية، علاوة على محاولات إيران من أجل بسط نفوذها في أنحاء المنطقة. وفي حين أنه من الممكن أن تدخل أميركا تعديلات مؤقتة على مبيعات أسلحتها لهذا الطرف أو ذاك من حلفائها، أو أن تجري حواراً سياسياً جديداً مع هذا الطرف أو غيره أيضاً، فإنه يظل من المستبعد أن تعمد واشنطن إلى إضعاف البنية التحتية الأساسية لأي من حلفائها الرئيسيين في المنطقة، أياً كانت الظروف والملابسات.
ومن الجدير بالذكر هنا أنه في عام 1981 و1982، علّقت إدارة ريجان مبيعات أسلحة رئيسية لإسرائيل، في أعقاب هجومها على منشآت نووية عراقية وقيامها بغزو لبنان. وفي حين أنه لم يكن لتلك القيود أثر عملي على القدرات العسكرية الإسرائيلية، فإن فرضها تسبب آنذاك في حالة عارمة من الغضب السياسي، ليس داخل إسرائيل فحسب وإنما أيضاً داخل الولايات المتحدة ذاتها.