يبدو أن الدولار الأميركي يواجه تهديداً من عدة جهات. فالبلدان التي تتعرض لعقوبات أميركية، مثل إيران وروسيا، والمنافسون الاقتصاديون مثل الصين، وحتى الحلفاء في الاتحاد الأوروبي، يريدون التخلص من قبضة الدولار القوية على المالية العالمية. في الوقت الراهن، لم يحالفهم الحظ. ذلك أن الاقتصاد الأميركي والأسواق المالية الأميركية هي الأكبر في العالم، وليس ثمة بدائل جيدة لها. غير أنه على المدى الطويل، قد تحصل بقية العالم على مرادها. ذلك أن مكانة الدولار باعتباره عملة الاحتياط العالمي المهيمنة هي نتيجة الثقة في مؤسسات أميركا القوية. وهذا يشمل نظامَ التوازن بين المؤسسات ومراقبة بعضها لبعض، وحكم القانون، وبنكاً مركزياً مستقلًا. وهذه المؤسسات أثبتت قوتها ونجاحها، ونالت ثقة المستثمرين العالميين، الذين ينظرون إلى الدولار باعتباره ملاذاً آمناً في الأوقات المضطربة. ولكن الرئيس ترامب ومساعديه أخذوا يُضعفون هذه المؤسسات بأقوالهم وأفعالهم. الأسواق النامية حريصة على الابتعاد عن نظام مالي عالمي يعتمد على الدولار حتى لا تظل عرضة لتأثير ما يقوم به الاحتياطي الفيدرالي. وفي هذا الإطار، تعمل الصين وروسيا حالياً على إنشاء نظاميْ دفع خاص بهما من أجل تقليص اعتمادهما على البنوك الأميركية. كما يتوق مسؤولو منطقة «اليورو» إلى القيام بالشيء نفسه حتى لا تظل بنوكهم رهينة، مثلما يقولون، للمقنِّنين في الولايات المتحدة.
في الماضي، لم يكن أي شيء من هذا ليؤثر على هيمنة الدولار. ذلك أنه لا يوجد أي بلد آخر لديه الحجم والثقة والتأثير الذي تتمتع به الولايات المتحدة. والتأثيرات العالمية للتقلبات التي عرفها سوق الأسهم الأسبوع الماضي مثالٌ دالٌ ومعبّر في هذا الصدد. ولكن إدارة ترامب، وحلفاءها في الكونجرس، أخذوا يضرون بالمؤسسات التي جعلت الدولار مهيمناً لفترة طويلة.
فـ«الجمهوريون» تخلوا عن دورهم في لعب دور الكابح لسلطات الرئيس. وسايروا بفرح السياسات الاقتصادية المؤذية، مثل خفض الضرائب الذي سيؤدي إلى زيادة الدين الحكومي بـ1 تريليون دولار على الأقل، رغم أن الاقتصاد في صحة جيدة ولا يحتاج لمساعدة من الحكومة. كما وافقوا على إضعاف التقنين على البنوك وأجزاء أخرى من الاقتصاد، مما زاد من خطر مشاكل لأسواق المال في المستقبل.
وفي الأثناء، يتعرض حكم القانون للإضعاف من قبل إدارة ترى نفسها فوق القانون. وملء المحاكم بقضاة يتم اختيارهم بسبب استعدادهم للدفع بأجندة معينة أخذ يقلِّص الثقة في النظام القضائي. وعلاوة على ذلك، فإن هجمات ترامب الصريحة على الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن تضر بمصداقيته. ذلك أن الأسر والشركات والمستثمرين يثقون في أن الاحتياطي الفيدرالي يقوم بما هو ضروري للتحكم في التضخم، حتى وإنْ كان ذلك يعني اتخاذ قرارات غير شعبية سياسياً مثل رفع أسعار الفائدة، في وقت ينمو فيه الاقتصاد بسرعة. ولكن عندما يقول الرئيس، إن الاحتياطي الفيدرالي «مجنون» و«خارج السيطرة» أو يصرح بأنه «غير سعيد» أو «يشعر بخيبة الأمل» إزاء قرارات «الاحتياطي» بشأن المعدلات، فإنه يمكن أن يتسبب في ضرر غير قابل للإصلاح. والحال أن ثقة المستثمرين في الاحتياطي الفدرالي كمؤسسة لا تتأثر بالرياح السياسية ضرروي وأساسي من أجل الحفاظ على قوة الدولار.
إن هيمنة الدولار قد تتجاوز فترة ترامب، ولكنها ليست قدراً. وإذا واصل الرئيس إضعاف مؤسسات أميركا، فإن الدولار أيضاً سيعاني من دون شك. وهذا قد يصبح في نهاية المطاف أحد أكبر الندوب التي ستتركها الإدارة الحالية على الاقتصاد الأميركي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»