تضع دولة الإمارات العربية المتحدة الاستثمار في رأس المال البشري في مقدمة أولوياتها، لأنها تؤمن بأن الإنسان هو الثروة الحقيقية التي ترتكز عليها كل جوانب التنمية، وهذا الهدف هو جوهر فلسفة مرحلة التمكين التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في عام 2005، والتي تولي العنصر البشري أهمية قصوى من خلال «تهيئة البيئة المبدعة اللازمة لتمكين الفرد المواطن من عناصر القوة اللازمة ليصبح أكثر إسهاماً ومشاركة في مختلف مجريات الحياة الاجتماعية والسياسية والإنتاجية والمعرفية»، ولهذا نجحت الإمارات في تعزيز مكانتها في المؤشرات المعنية بالتنمية البشرية، وكان آخرها مؤشر متوسط رأس المال البشري لعام 2017 الذي صدر عن البنك الدولي قبل أيام، والذي يقيس حجم إنتاجية المواطن في سن الـ18، وقد تصدرت الإمارات بلدان المنطقة كافة، وحصلت في هذا المؤشر على نسبة 66%، لتتفوق بها على كل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتكمن أهمية مؤشر رأس المال البشري، الذي يصدره البنك الدولي للمرة الأولى، في كونه يحدد مقدار مساهمة الصحة والتعليم في مستوى الإنتاجية المتوقع أن يحققه الجيل القادم من الأيدي العاملة، كما يقيّم مقدار الدخل الذي تخسره البلدان بسبب الفجوات في رأس المال البشري، والسرعة التي يمكنها بها تحويل هذه الخسائر إلى مكاسب، إذا ما تحركت على الفور، ويتكون المؤشر من أربعة مؤشرات فرعية، الأول احتمالية بقاء الطفل على قيد الحياة حتى بلوغه سن الخامسة، وتبين أن 99% من أطفال الإمارات يبلغون هذا العمر. والثاني سنوات الدراسة المتوقعة التي يتمّها المواطن عند بلوغه سن الـ18، تبيّن أن المواطن الإماراتي يتم 13.1 سنة دراسية. والثالث مؤشر أرصدة الاختبارات الدراسية المتناسقة الذي يقيس جودة التعليم وقد حصلت الإمارات فيه على 451 نقطة من أصل 625 نقطة. أما المؤشر الرابع، وهو احتمال بقاء المواطن البالغ من العمر 15 عاماً على قيد الحياة حتى سن الـ60، فقد حققت الإمارات نسبة 93%.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحصل فيها الإمارات على مرتبة متقدمة في المؤشرات التي تقيس الاستثمار في رأس المال البشري، حيث سبق أن حققت المرتبة الأولى عربياً والـ34 عالمياً في تقرير التنمية البشرية 2018 الصادر عن الأمم المتحدة، الذي كشف النقاب عنه في شهر سبتمبر الماضي، وتقدمت ثمانية مراكز عن تصنيف العام الماضي.
لعل أهم ما يميز دولة الإمارات العربية المتحدة أنها منذ نشأتها في مطلع سبعينيات القرن الماضي تنظر إلى الإنسان باعتباره الثروة الحقيقية التي ينبغي العمل على تنميتها بشكل دائم ومتواصل، كي يكون قادراً على الإسهام بفاعلية في مسيرة التنمية والتطور التي تشهدها الإمارات في المجالات كافة، ولأجل هذا كان الاستثمار في بناء الإنسان ولا يزال أحد أهداف فلسفة التنمية الشاملة والمستدامة منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان يؤمن بأن الإنسان هو أساس أي عملية حضارية، لأنه محور كل تقدم حقيقي مستمر، وهو النهج نفسه الذي يسير عليه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وتترجمه الحكومة في سياساتها واستراتيجياتها المختلفة، حيث توجه كل الاهتمام والرعاية إلى تنمية العنصر البشري في التعليم والإسكان والرعاية الصحية وغيرها الكثير من المجالات التي تسهم في تنمية ورفع مستوى كفاءته، وليس أدل على ذلك من أن القطاعات ذات العلاقة المباشرة بالمواطنين وخدماتهم حظيت بالنصيب الأكبر في ميزانية عام 2019، حيث تم تخصيص 42.3% من هذه الميزانية لرفد برامج التنمية المجتمعية، و17% للارتقاء بمنظومة التعليم، و7.3% لتطوير قطاع الصحة وتقديم أفضل الخدمات الطبية، وهذا إنما يؤكد أن الهدف الأسمى الذي تحرص عليه القيادة الرشيدة في الإمارات هو تحقيق تنمية مجتمعية شاملة ومستدامة، تسهم في تعزيز سعادة أفراد المجتمع ورفاهيتهم، وترسيخ الموقع المتميز للدولة في مجال التنمية البشرية إقليمياً وعالمياً.
عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية