مضى أكثر من عامين منذ أن طالب الناخبون البريطانيون بمغادرة البلاد للاتحاد الأوروبي، ما أحدث صدمة لقادتهم وللعالم. ولكن بينما كان التصويت بمثابة زلزال سياسي، فإن حقيقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) هي مرور شهر بعد شهر في مفاوضات متعثرة مع إحراز تقدم ضئيل. وقبيل انعقاد قمة بروكسل التي بدأت يوم الأربعاء الماضي بين رئيسة وزراء بريطانيا «تيريزا ماي» وزعماء الاتحاد الأوروبي الـ 27 الآخرين، يبدو أن المحادثات بين المفاوضين البريطانيين والأوروبيين قد انهارت مرة أخرى. ومع تبقي نحو ستة أشهر على مغادرة بريطانيا للكتلة الأوروبية، فإن المفاوضات من الناحية النظرية في مراحلها الأخيرة. ولكن كيف ستنتهي؟ هذا أمر غير واضح كما كان من قبل. وكتبت «تيريز رافائيل» في بلومبيرج: «هذه ليست نهاية لعبة عادية. فلا تزال جميع القطع الرئيسة على اللوحة ولا تزال هناك مجموعة كاملة من النتائج المحتملة –تتراوح بين عدم التوصل لاتفاق وعدم حدوث بريكست، وكل شيء بينهما – احتمالات حية».
ولا تزال «ماي» بحاجة إلى التوصل إلى خطة ترضي باقي أوروبا وحزبها في الداخل، الممزق بشكل متزايد بين هؤلاء الذين يؤيدون «ماي» وأولئك الذين يعتقدون أنها تقود صفقة ميسرة للغاية، ومن المحتمل أن يسعون إلى استبدالها.
وكان من المتوقع أن تقدم «ماي» الخطوط العريضة للاتفاق يوم الأربعاء، بيد أن هذا، أيضاً، فشل. وقال رئيس المجلس الأوروبي «دونالد تاسك» يوم الثلاثاء إنه «لا يوجد سبب للتفاؤل» بأنه سيتم إحراز تقدم في القمة. وأضاف أن أكبر قضية، وهي مصير الحدود الإيرلندية. عندما تغادر بريطانيا أوروبا، ستكون حدودها البرية الوحيدة مع دولة في الاتحاد الأوروبي هي الحدود المفتوحة حالياً بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية، والأخيرة جزء من المملكة المتحدة. ونظراً لتاريخ العنف الذي لا يزال حديثاً –ناهيك عن التجارة الكبيرة عبر الحدود –لا تزال هناك رغبة في إعادة تحديد الحدود مع وجود علامات مادية وضوابط جمركية، ولكن لم يتوصل أحد بعد إلى كيفية تجنب ذلك.
وقد لعبت «ماي» على فكرة الإبقاء على بريطانيا في نظام الاتحاد الأوروبي الجمركي على أساس مؤقت، ما أتاح مزيداً من الوقت للجانبين للتوصل إلى اتفاق دائم بشأن قضية الحدود. وفي غضون ذلك، اقترح قادة الاتحاد الأوروبي بأن تظل أيرلندا الشمالية فقط في الاتحاد الجمركي في الوقت الحالي، بينما تغادر بقية بريطانيا.
لكن حكومة «ماي» تعتمد على تأييد الحزب الوحدوي «الديمقراطي»، وهو حزب أيرلندي شمالي يعترض على فكرة الحواجز التجارية التي ستفصل المنطقة عن بقية بريطانيا. وأشار أعضاء إلى أن بإمكانهم سحب دعمهم في حالة إنشاء مثل هذه الحواجز، الأمر الذي يعيق حكم «ماي» الضعيف بالفعل. وفي ذات الوقت، أكدت الحكومة الأيرلندية مجدداً على أن قراراً بشأن القضية لا يمكن تأجيله.
والحدود الأيرلندية هي بعيدة كل البعد عن كونها القضية الوحيدة التي لم تُحَل في مفاوضات «بريكست»، لكنها قضية كاشفة، تظهر مدى صعوبة العثور على حلول وسط بشأن قضايا رئيسة تتضمن أطرافاً لديهم مصالح مختلفة بشكل كبير. والوقت ينفد الآن: فالموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق هو 27 مارس. وأي اتفاق سيحتاج إلى التصديق عليه من قبل البرلمانين الأوروبي والبريطاني قبل ذلك. وقد أشارت دراسة أصدرها مؤخراً معهد الحكومة البريطانية إلى أن هناك خمس سيناريوهات لما قد تتكشف عليه الأمور خلال الأشهر القليلة القادمة. وهناك سيناريو واحد فقط من شأنه أن يؤدي إلى «خروج منظم» لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أما البقية فلن تؤدي إلى التوصل إلى اتفاق.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»