في العام الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أن العالم يقف على مشارف أكبر أزمة إنسانية يشهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت الأزمة أكثر فأكثر. وفي الوقت الذي يشير فيه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الوقت الحاضر إلى حالات الطوارئ الحالية التي تعيشها سوريا واليمن وإثيوبيا والصومال، إلا أن القائمة مفتوحة لتشمل الأزمات الإنسانية في ميانمار وفنزويلا باعتبارها قضايا أخرى مثيرة للقلق.
وباستثناء الصومال الذي تعود أسباب أزمته الإنسانية إلى الجفاف الشديد الذي تشهده البلاد، فإن الأزمات في باقي البلدان المذكورة هي من صنع الإنسان بامتياز. وللأسف، لا أحد ينكر أنها نشأت نتيجة لفشل الحكومات، وفي بعض الحالات، بعد تعثر الجهود الدبلوماسية.
والآن، لا يمكننا أن نعود بالزمن إلى الوراء، ولكننا نؤمن بأننا والمجتمع الدولي قادرون على معالجة مسائل توفير الدعم الإنساني الكافي للمساعدة في تخفيف معاناة الإنسان. ودون العمل ضمن جهود جماعية ومنسقة على الصعيد العالمي، ستهدد الأوضاع الأليمة تلك البلدان وستقودها للتدهور والخروج عن نطاق السيطرة.
وفي هذه الظروف، تتجلى الحاجة الماسة إلى الدبلوماسية الإنسانية بصورة أكثر وضوحاً مما سبق. وفي أدبيات الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر تُعرف سياسة الدبلوماسية الإنسانية بأنها «إقناع صانعي القرارات وأصحاب الآراء بالعمل على الدوام لما هو في مصلحة المستضعفين باحترام المبادئ الإنسانية الأساسية على وجه تام».
ومن هذا المنطلق، فإن مشاركة الدول في الجهود الدبلوماسية الإنسانية ليست خياراً، بل هي مسؤولية. وتأخذ دولة الإمارات تلك المسؤولية بشكل جدّي، إذ تلعب دوراً رئيسياً في تقديم المساعدات الإغاثية الإنسانية والإنمائية لدول العالم. وتعدّ مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية وصندوق أبوظبي للتنمية - التي أنشأها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان قبل تأسيس دولة الإمارات – إلى جانب مؤسسات أخرى، مثل جمعية الهلال الأحمر، أمثلة ممتازة عن المنظمات التي تقوم بإجراءات فاعلة لدعم المستضعفين في جميع أنحاء العالم. ومن ناحية أخرى، يضمن «يوم زايد للعمل الإنساني» لدينا أن تبقى تلك القضايا أولوية في أذهان الناس عبر أنحاء البلاد.
وإلى جانب مساعي دولة الإمارات الدؤوبة للوفاء بالتزاماتها الإنسانية، أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، للسنة الخامسة على التوالي، أن دولة الإمارات ما زالت أكبر مانح للمساعدات الإنمائية الرسمية في العالم مقارنة بدخلها القومي، حيث تبنت الحكومة الإماراتية في الآونة الأخيرة قراراً يمنح الأشخاص في البلدان المعرضة للحروب والكوارث الطبيعية تصريحاً بالإقامة لمدة سنة قابلة للتمديد.
وتشكل رسالة الإمارات لسلام البشرية وازدهارها عنصراً رئيسياً ضمن المناهج التي نقوم بتدريسها في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، وتعتمد مهمتنا على تزويد دبلوماسيي المستقبل بالإدراك اللازم لأهمية الدبلوماسية الإنسانية، كي يتمكنوا من مساعدة البلدان الأخرى بشكل فعال في إيجاد حلول دائمة للأزمات الإنسانية. إلا أن تقديم المعونة والإغاثة هو مجرد أمر واحد فقط، ولمنع تكرار الأزمات التي صنعها الإنسان، ينبغي علينا، بالإضافة إلى ذلك، دعم التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي.
وفي إطار استراتيجية المساعدات الخارجية لدولة الإمارات للأعوام 2017-2021، تسلط وزارة الخارجية والتعاون الدولي الضوء على الدور الحيوي للمعونات الإنسانية ضمن المساعدات الخارجية الشاملة لدولة الإمارات، إلى جانب مساعي الدولة نحو تعزيز مكانتها كمركز للمساعدات الإنسانية. وتسعى تلك السياسة للمساهمة في الجهود العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
ونتيجة لذلك، يسهم النشاط الإنساني المتزايد لدولة الإمارات في تعزيز الطلب على الخبراء في أساليب تنفيذ العمل الإنساني التكتيكي، واستراتيجيات التنبؤ بالمشاكل وتجنب الأزمات أو الحد من تأثيرها على المدى البعيد. وتهتم الخبرة التكتيكية بخدمات الإغاثة اللوجستية، في حين تعتمد استراتيجية التنمية على مجموعة واسعة من العوامل، بما فيها العوامل الديموغرافية، وآثار التغير المناخي، وتخصيص الموارد والقرارات السياسية.
وفي كل حالة من تلك الحالات، هناك حاجة إلى المهارات الدبلوماسية اللازمة للعمل مع الحكومات المعنية، وذلك هو الدافع الرئيسي لإطلاق برنامج أكاديمي جديد في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، وهو ماجستير الأعمال الإنسانية والتنموية. واعتماداً على منهجه التعليمي الشامل، يسعى البرنامج إلى إعداد الكوادر الوطنية الشابة وتطوير قدراتهم وتمكينهم في مجال الأعمال الإنسانية، بالإضافة إلى تزويدهم بالمعرفة العلمية والعملية اللازمة للمشاركة في العمل الميداني، وبالمهارات الإدارية المطلوبة للعمل على مستوى المقر الرئيسي في جميع أنحاء العالم.
ومنذ نشر كتاب «تذكار سولفرينو»، ساعدت الدبلوماسية الإنسانية في إنشاء بنية قانونية فريدة من نوعها، ومجموعة من المبادئ والإجراءات التي يجري العمل على تطويرها أيضاً. وينبغي على هذا المبدأ الإنساني أن يرسم مسارات جميع مبادرات وأنشطة العمل الإنساني على الساحة، مع تطلعنا الدائم لتحقيق المزيد والتوسع في نشر تلك المبادئ ما أمكن ذلك.
ولا يعتبر ماجستير الأعمال الإنسانية والتنموية مجرد شهادة أكاديمية أخرى؛ بل تأكيداً جديداً على عزمنا المستقبلي الراسخ نحو إيجاد دبلوماسيين قادرين على القيادة بروح من التعاطف والتفهم لأهمية الدور الحيوي للعمل الإنساني؛ وبما يتوافق مع الخطط والسياسات الوطنية لدولة الإمارات الحريصة على تدريب الدبلوماسيين ليكونوا قادة العمل الإنساني في المستقبل، ولا يقتصر ذلك على تحقيق ما فيه مصلحة الدولة وشعبها فحسب، بل تتوسع أهدافنا لتشمل سائر المنطقة والإنسانية أجمع.