يعكس اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالثقافة والفنون وكل ما يتعلق بها عمق النظرة، وسعة الإدراك التي تميز السياسة العامة للنهوض بالثقافة، بمنحها المكانة التي تليق بها بين مختلف المجالات الأخرى، كالاقتصاد وتنمية المجتمع، وهو ما يؤشر إلى أن القائمين على الشأن العام بدولة الإمارات يحجزون مكانة كبيرة للثقافة انطلاقاً من إيمانهم بدورها في تنوير الشعوب، وقدرتها على المساهمة في تقدم الأمم.
فالسياسة الثقافية التي باتت اليوم جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات التنمية والتقدم، باتت تعد كذلك إحدى أهم القوى الناعمة التي تؤهل أي بلد لتبوء مكانته بين الأمم، كما بات الاستغلال الأمثل للثقافة بمختلف أبعادها أحد أهم الموارد الاقتصادية للشعوب التي تعرف كيف تستغلها، فكم من بلد اليوم يعتمد على السياحة الثقافية كمورد مادي مهم، وكم من بلد استطاع أن يقدم نفسه للعالم عن طريق تميزه بأحد الفنون الثقافية المعروفة.
ومن حسن حظ دولة الإمارات العربية اليوم، أنها تجمع بين خاصية التنوع الثقافي الطبيعي، وبين القدرة على تسويق ذلك المنتج، سواء تعلق الأمر باحتضانها العديد من المتاحف التراثية والفنية، أو برعايتها العديد من الفعاليات التي تحتفي بالثقافة بمختلف فروعها. هذا فضلاً عن حضورها المميز في عديد المحافل والمناسبات التي تُعلي من شأن الثقافة والفنون.
فمعارض الكتب العالمية والإقليمية والمهرجانات الثقافية والتراثية، والتفرد بمنح الجوائز لمختلف المجالات الثقافية، واحتضانها نسخة خاصة لأكبر وأعرق متاحف العالم (اللوفر- أبوظبي) كلها مظاهر للسياسة الثقافية لدولة عَرفت كيف تدفع بالتكامل بين الثقافة والسياسة والاقتصاد.
وها هي الإمارات اليوم، على لسان معالي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، معالي نورة بنت محمد الكعبي، تؤكد حرصها على مواصلة النهج نفسه بالانخراط في المزيد من الأنشطة الثقافية الإقليمية والعالمية، حيث أكدت معاليها، خلال كلمتها في فعاليات الدورة الـ21 لمؤتمر وزراء الثقافة العرب التي انعقدت مؤخراً بالقاهرة، استضافة الإمارات النسخة القادمة من المؤتمر في أبوظبي سنة 2020، وذلك بالتزامن مع الذكرى الـ50 لتأسيس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، واستضافة الإمارات لإبداعات العالم وفنونه وثقافاته في «إكسبو دبي 2020» لتكون فرصة مهمة تمتزج فيها الثقافة العربية مع ثقافات العالم المختلفة.
وزيرة الثقافة بدولة الإمارات كشفت كذلك عن نية الإمارات وضع أجندة مُفصّلة لتطوير الصناعات الثقافية والإبداعية بالوطن العربي نظراً لأهميتها في المنظومة الاقتصادية وقدرتها على توفير فرص عمل للمواهب العربية، وهو ما يعكس إدراكاً واسعاً لأهمية إخراج الثقافة من طابعها الاحتفالي إلى مجال يسهم في تحريك الاقتصاد بخلق فرص العمل للشباب. وهو ما أشارت إليه معالي نورة الكعبي بقولها: «نؤمن بأن شباب منطقتنا العربية يمتلكون المؤهلات والمهارات للعب دور قيادي في مستقبل هذه الصناعات التي يصل حجم سوقها العالمي إلى أكثر من تريليوني دولار، حيث تشير الدراسات إلى أن هذه الصناعات تمتلك فرصاً واعدة غير مستغلَّة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا».
لقد أدركت دولة الإمارات مبكراً الأدوار المتعددة للثقافة، وسعت إلى استغلالها بطريقة مثلى، كي تنعكس على واقع الشعوب، ولهذا أولتها الحكومة منذ أيام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، جُلّ الاهتمام والرعاية، وجعلت الاهتمام بها معياراً أساسياً من معايير التقدم الحضاري، وتعزيز قيم التسامح والتعايش والاندماج.
وإذا نظرنا اليوم إلى حجم الإنجازات التي قامت بها الإمارات في مجال دعم الثقافة والاهتمام بالفنون بأشكالها كافة، لاتضحت لنا الرؤية الكامنة وراء كل تلك الإنجازات، والتي تعكس بدورها مستوى الشغف تجاه الفنون وروادها وصانعيها في الإمارات. وهو ما يؤكده اليوم كل مَن يزور الإمارات من المثقفين والفنانين والأكاديميين.
عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية