في عام 2016، صدر تقرير عن منظمة الصحة العالمية، قدر القائمون عليه أن حوالي 1.3 مليون شخص يلقون حتفهم سنوياً، نتيجة التعرض لبعض الملوثات الكيميائية. هذا الرقم على ضخامته، جاء تقديره بحساب التعرض لعدد قليل من الملوثات، ولكن بناءً على أن الشخص العادي يتعرض خلال رحلة حياته إلى عدد من المواد الكيميائية، أكبر بكثير من تلك التي شملها التقرير، يتوقع أن إجمالي الوفيات الناتجة عن التعرض للملوثات الكيميائية بجميع أنواعها، يتخطى بمراحل الـ1.3 مليون وفاة التي قدرها التقرير سابق الذكر.
إحدى تلك الملوثات، والتي لا تحتل مكانة متقدمة في الوعي الصحي العام، هو عنصر الرصاص. فعلى حسب إحدى المراكز العلمية المتخصصة في قضايا الصحة الدولية (Institute for Health Metrics and Evaluation)، والتابع لجامعة واشنطن بمدينة سياتل الأميركية، يلقى حوالي 540 ألف شخص حتفهم سنوياً، نتيجة التعرض لعنصر الرصاص، بالإضافة إلى فقدان 13.9 مليون (سنة من الحياة)، نتيجة الإعاقات والوفيات من جراء التبعات الصحية طويلة المدى للتعرض للرصاص.
ومفهوم أو مصطلح (المفقود من سنين الحياة) هو مقياس يستخدم لتقييم العبء الناتج عن مرض، في شكل عدد من سنوات العمر، يفقدها الشخص بسبب مرضه، أو إعاقته، أو وفاته المبكرة. وتم تطوير هذا المفهوم في عقد التسعينات، لمقارنة الوضع الصحي العام ومتوسط أو مؤمل الحياة، بين مختلف المجتمعات والشعوب، مع وضع رقم واضح ومحدد على الثمن الإنساني للأمراض.
وبناء على هذا الثمن الإنساني الفادح، المتجسد في مئات الآلاف من الوفيات، وملايين السنوات المفقودة، تحيي العديد من الجهات والمؤسسات الحكومية حول العالم كل عام، وبالترافق مع المنظمات الخيرية العاملة في مجال الصحة العامة، الأسبوع الدولي للوقاية من التسمم بالرصاص (International Lead Poisoning Week)، والذي سيبدأ هذا العام يوم الأحد المقبل. وستسعى فعاليات الأسبوع المقبل للتركيز على ضرورة وأهمية منع استخدام أنواع الطلاء والدهانات المحتوية على عنصر الرصاص، ومن خلال التنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الصناعي، والحكومات، والأفراد، والعاملين بقطاع الرعاية الصحية.
ويأتي الاهتمام بأنواع الدهانات والطلاء كمصدر رئيس للتلوث البيئي بعنصر الرصاص، بعد أن كان وقود السيارات يحتل هذه المكانة منذ عشرينات القرن الماضي، مع البدء حينها في استخدام مشتقات الرصاص لتحسين أداء محركات السيارات. ولكن مع اكتشاف فداحة تبعات آثار الرصاص على البيئة، وعلى صحة الإنسان، بدأ الاستغناء عنه تدريجياً في الولايات المتحدة منذ عام 1973، ومنعه التام منذ يناير 1996. وفي الدول الأوروبية بدأ الاستغناء عن إضافة الرصاص لوقود السيارات منذ نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ومنع استخدامه بشكل تام مع نهاية عقد التسعينيات في جميع دول الاتحاد الأوروبي.    
وعلى الرغم من تراجع أهمية وقود السيارات كمصدر رئيس للتلوث البيئي بالرصاص، فإن هذا التلوث يظل قائماً من مصادر أخرى، مثل عمليات التعدين، وصهر المعادن، والعديد من الأنشطة الصناعية، وإعادة تدوير واستخدام الأجهزة الإلكترونية القديمة، الذي يعتبر حالياً من أهم مصادر التجارة العالمية في الرصاص. وفي بعض الدول، ما زال من الشائع استخدام أنواع الدهان والطلاء المحتوية على الرصاص، وإن كان ثلاثة أرباع الاستهلاك العالمي من الرصاص يوظف حالياً لتصنيع بطاريات السيارات، كما يدخل الرصاص في العديد من المنتجات اليومية الأخرى. ويمكن أن يحتوي ماء الشرب على عنصر الرصاص، إذا ما استخدمت أنابيب من الرصاص لتوصيل المياه للمنازل، أو حتى تم لحام هذه الأنابيب ببعضها بعضاً باستخدام الرصاص.
وربما كان من أهم المضاعفات التي تنتج عن التعرض لعنصر الرصاص، هو التأثير السلبي الفادح على القدرات الذهنية للأطفال، وتسببها في إعاقات عقلية شديدة لديهم. وبرغم الإدراك الواسع بخطورة تلك المشكلة، واتخاذ العديد من الدول لإجراءات فاعلة تجاهها، ما زالت تشكل مصدر قلق عميق لمسؤولي الجهات الصحية الوطنية وللعاملين بقطاع الرعاية الصحية. ومؤخراً تواترت الدراسات وتراكمت الأدلة، على دور التعرض للتلوث البيئي بعنصر الرصاص كمحفز ودافع للعنف. حيث أظهرت الأبحاث التي أجريت في الولايات المتحدة، وجود ارتباط وتلازم قوي بين تراكم عنصر الرصاص في البيئة ومستويات جرائم العنف. وهو في رأي البعض ما قد يفسر جزءاً من أسباب ارتفاع معدلات جرائم العنف في المدن الكبرى، والتي يتميز هواؤها بمعدلات أعلى من التلوث البيئي بالرصاص، مقارنة بالمدن الصغرى، والمناطق الريفية.