كان حمد بن خليفة، أيام كان الحاكم العلني لدولة قطر، يقضي إجازته في فرنسا حين قطعها لأمر جلل وهرع إلى بريطانيا، حيث ارتدى جينز أزرق، وتوجّه إلى مطعم إيطالي متواضع على شارع «جيمس» في لندن، وجلس في ركن عميق منزوٍ منه، منتظراً قدوم شخص كان قد التقى بثلة من عتاولة الإجرام، وبوصول الرجل ترك الأمير القطري حساء «المينيستروني» الذي كان يتناوله، ورحّب بحرارة بالقادم، وسأله من دون إضاعة وقت قائلاً: «وين الشرايط يا ريّال؟!».
هذا المشهد منقول بتصرّف قليل من كتاب «في طريق الأذى: من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش»، لمؤلفه الإعلامي المصري يسري فودة، والذي كان يعمل آنذاك في «الجزيرة» القطرية، حيث يسرد فودة حيثيات اللقاء قائلاً إن تنظيم «القاعدة» اتصلوا به بُعيد عملية 11 سبتمبر لتصوير لقاء مع العقول المدبّرة للعملية، تمهيداً لعرضه على «الجزيرة» بمناسبة «الاحتفال» بالذكرى الأولى لأكبر جريمة إرهابية في العصر الحديث، فالتقى سرّاً في أبريل 2002 في شقة آمنة بمدينة كراتشي، كلا من خالد شيخ محمد، رئيس اللجنة العسكرية لـ«القاعدة»، ورمزي بن الشيبة، المنسّق العام للعملية الإرهابية، وحصل منهما على أول اعتراف مباشر للتنظيم، واستمع إلى شرح مستفيض لكيفية التخطيط للعملية، لكنهما احتفظا بالشريط بعد الانتهاء من التصوير، مع وعد بإرساله إلى فودة بعد مراجعته ومونتاجه.
وبقي فودة في ذلك الصيف يترقّب وصول الشريط إليه، حين تلقى اتصالاً من رئيس مجلس إدارة «الجزيرة»، حمد بن ثامر آل ثاني، دعاه فيه إلى عشاء في وسط العاصمة البريطانية، حيث فوجئ لدى وصوله إلى المطعم بحاكم قطر يشدّ على يديه لذلك «السبق»، وقال له إنه اضطر إلى قطع إجازته ليلتقي به، ثم سأله: «وين الشرايط يا ريّال؟!».
ويقول فودة، إنه شرح لرئيس دولة قطر ملابسات ما حدث، وأن هناك وسطاء يساومون للحصول على «تبرّع» مقابل تسليم الشريط، فسأله عن المبلغ المطلوب، وبعد أن عرف أنه مليون دولار، وعرف أن فودة رفض هذا العرض، يقول فودة: «نظر الأمير إليّ في تلك اللحظة كأنه ينظر إلى ساذجٍ غرّ»، وقال: «مش أفضل ندفع لهم وناخذ شرايطنا؟»، ثم وصف فودة لهفة حمد بن خليفة للوصول إلى الأشرطة مهما كلّف الأمر.
المهم الآن في هذه الواقعة ضبط الأمير القطري متلبّساً وهو يظهر ما بدخيلته من تآمر حتى مع الشيطان لتحقيق أهدافه، فلا شيء يعرّيه مثل مكالمته مع القذافي، وهذا المشهد في المطعم الإيطالي، وهو مشهد يستحيل تصديقه، لا من حيث عدم وقوعه، فقد وقع حتماً، وإنما من حيث إن رئيس دولة يترك مهامه وينخرط كأنه عميل في مساومات مع إرهابيين قتلة من أجل الحصول على شريط فيديو لهم. صحيح أن كل دقيقة من بثّ قنواته، وكل صفحة من صحفه، وكل لقطة شاشة من مواقعه، تعبّر عنه بوضوح، إلا أنه غير مرئي في كل ذلك، ومغطى بمزاعم حرية التعبير والرأي والرأي الآخر، ولعلّ الأيام تثبت أنه وراء تدبير الكثير من القصص الغامضة، ومع انتهاء كل قصة يسأل: «وين الشرايط يا ريّال؟!».