يسلِّط منح جائزة نوبل في الاقتصاد إلى «ويليام نوردهاوس»، وهو أول عالم اقتصاد يطور نموذجاً للارتباط بين المناخ والاقتصاد العالمي، الضوء على الفرصة الهائلة الضائعة لمحاربة التغير المناخي.
فقبل عقود مضت، قدّم عمل «نوردهاوس» مجموعة من الأدوات التي كان ينبغي أن تجذب السياسيين المهتمين بالأسواق كطريقة للتعامل مع انبعاثات الغازات الدفيئة. لكن «المحافظين» الأميركيين اختاروا التنكر له بدلاً من ذلك. ولأن جناح اليمين تجاهل «نوردهاوس»، ومن تحدثوا عن عمله، بات من المستبعد أن تتخذ الولايات المتحدة الإجراءات «غير المسبوقة»، التي وصفتها لجنة الحكومات التابعة للأمم المتحدة المعنية بالتغير المناخي، خلال الأسبوع الجاري، بأنها ضرورية للإبقاء على ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية.
وفي بداية سبعينيات القرن الماضي، كشف «نوردهاوس» كيف أن النمو الاقتصادي يزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة، التي ترفع بدورها درجة حرارة الكوكب، ومن ثم تسبب أضراراً اقتصادية في قطاعات متنوّعة مثل الإنتاج الزراعي والعقارات الشاطئية. وأوضح أنه على رغم من ذلك، لا يدفع منتجو هذه الغازات الدفيئة مقابل الأضرار التي يُسببونها.
وفي عام 1992، نشر «نوردهاوس» للمرة الأولى نموذجاً لتقييم فوائد تقليص انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، واستعمله في توضيح أن فرض ضريبة معتدلة على إنتاج الكربون، من شأنه أن يحقق منافع مناخية أكبر من تكلفته، مقدِّراً أن ضريبة الكربون المناسبة هي 5 دولارات لكل طن من غاز ثاني أكسيد الكربون في عام 1990، وترتفع بمرور الوقت، وكانت ستصبح في الوقت الراهن 10 دولارات لكل طن. ورغم ذلك، زادت تقديرات «نوردهاوس» اللاحقة لأسعار الكربون الملائمة إلى نحو 30 دولاراً لكل طن، بحسب القيمة الحالية للدولار، بيد أن السعر الملائم للكربون لا يزال محل جدل محتدم أكاديمياً.
وكان من شأن ضريبة الكربون أن تسلط الضوء على الأضرار التي تسببها انبعاثات الغازات الدفيئة، وتوجّه الاعتبارات المالية صوب الموارد ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة. والقوة الكبرى لهذه الآلية هي أنها لا تُخضع المستهلكين والشركات لخطط تنظيمية معقدة تم وضعها على المكاتب في واشنطن العاصمة، وإنما تسمح للقطاعات الاقتصادية كافة بإيجاد أقل الطرق تكلفة لخفض الانبعاثات الكربونية.
وقد نشر «نوردهاوس» هذا النموذج في عام 1992، أي قبل 26 عاماً مضت، وهو ما يعني أن ارتفاع درجة حرارة الأرض لطالما كان محدقاً بنا، وقد كان ذلك العام أيضاً هو الذي وقّع فيه الرئيس الأسبق جورج بوش الأب اتفاقاً كان أساساً لـ«اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي»، والتي أقرّت بأن على الدول سنّ تشريعات بيئية فاعلة، وأن على الدول المتقدمة أن تتخذ إجراءً فورياً كخطوة أولى تجاه استراتيجيات شاملة لمواجهة التغير المناخي على الأصعدة العالمية والمحلية والإقليمية.
وقد كانت إدارة «جمهورية» هي التي أقرت بوجود المشكلة، وخبيراً اقتصادياً لديه مؤهلات لا جدال فيها هو من قدم حلاً احترم الأسواق واستفاد منها، وفي ضوء ذلك، لو أن «المحافظين» قد قبلوا بتلك الضريبة كنهج ممكن لمواجهة التغير المناخي، لما كان ذلك القبول خارجاً عن نطاق الممكن، ولو أن «الجمهوريين» قبلوا ذلك النهج، ولحق بركبهم «الديمقراطيون» بحثاً عن أرضية مشتركة بشأن قضية مهمة، لكنا نعيش اليوم في عالم مختلف تماماً عن ما نحن فيه، بيئة أنظف، واستقطاب سياسي أقل بكثير، ونظام اقتصادي لديه حافز ليكون صديقاً للبيئة.. هكذا كان سيبدو عالمنا اليوم لو أننا تبنينا أفكار «نوردهاوس» عندما اقترحها. ومثلما يوضح تقرير «اللجنة الدولية للتغيرات المناخية»، علينا الآن أن نتخذ إجراءً سريعاً وهائلاً للحد من التغير المناخي. وتلك الأمور التي جربناها حققت بعض الإنجازات الهامشية، لكن آن الأوان لكي نتعامل بجدية، ولا يزال «نوردهاوس» يقدم لنا خريطة جيِّدة لما يمكننا أن نفعله.
ديفيد بوكبندر: كبير المستشارين لدى مركز «نيسكانين» للأبحاث في واشنطن
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»