ستكون فترة وجود «بريت كافانو» عضواً بالمحكمة العليا دائماً مشوّهة بتحزبه، بيد أن «الديمقراطيين» سيرتكبون خطأ فادحاً إذا أصروا على إعادة التقاضي بشأن تعيينه المثير للجدل، مع التهديد بعزله، وتنظيم مظاهرات غاضبة. إن الخلفية السياسية لـ«كافانو»، وسلوكه أثناء عملية التأكيد يؤكدان أنه سيُنظر إليه أكثر من أي قاضٍ آخر في المحكمة العليا على مدار نصف القرن الماضي ليس كمحافظ قانوني، بل بالأحرى كعنصر منفذ سياسي. وسيزيد هذا التركيز على أي من قرارات المحكمة التي لها آثار سياسية واضحة، لا سيما تلك التي تتعلق بالرئيس دونالد ترامب والتحديات القانونية من جانب إدارته.
وربما تظهر استطلاعات الرأي أن «كافانو» لا يتمتع بشعبية بين الناخبين، لكن «الديمقراطيين» لديهم مخاطر، أيضاً. يقول عضو الكونجرس «جيرولد نادلر»، الذي سيرأس اللجنة القضائية بمجلس النواب حال فوزه بأغلبية في نوفمبر، إنهم سيحققون في إمكانية اتخاذ إجراءات لعزله، واتهام «كافانو» بالكذب خلال جلسات الاستماع الخاصة بتأكيد تعيينه.
ولكن باستثناء وجود أي دليل جديد قوي، فإن هذا سيكون صعب المنال، حيث سيكون أفضل سيناريو لـ«الديمقراطيين» هو إجراء تصويت حزبي داخل مجلس النواب بشأن العزل، بينما يتراجع مجلس الشيوخ ويثور الناخبون – كما حدث مع عزل بيل كلينتون في 1998، حيث كان «كافانو» هو المدافع الرئيس. ويواصل بعض المعارضين الاحتجاج على تعيين «كافانو» في المحكمة العليا بعد اتهامات عديدة بالاعتداء الجنسي، الأمر الذي أنكره. ويستخدم البعض الآخر إيحاءات قبيحة، والتي تأتي بنتائج عكسية.
لقد وُصِفَ السيناتور «الجمهوري» «جيف فليك» بأنه «جبان» لأنه صوّت لـ«كافانو»، لكن «فليك»، وهو واحد من «الجمهوريين» القلائل الذين عارضوا سلوك ترامب وأصروا على الأقل على قيام مكتب التحقيقات الفيدرالي بإجراء تحقيق، هو ليس جباناً، سواء وافقنا أم لم نوافق على تصويته. إن الغضب من اختيار «كافانو» والعملية التي أعقبته أمر مفهوم، ولكن من الأفضل توجيه ذلك نحو انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل.
ويجوز لـ«الديمقراطيين» الاستمرار في الحديث عن العلاقات الحزبية العميقة لهذا القاضي الجديد. فخلال الفترة ما بين التخرج من كلية الحقوق وتعيينه في محكمة الاستئناف بمقاطعة دائرة كولومبيا قبل 12 عاماً، كان في طليعة سياسة الهجوم «الجمهوري». فقد كان عنصراً بارزاً في التحقيق المعيب الذي تم بقيادة «كين ستار» في قضية العزل، وساعد في الجهود المبذولة لمنع إدارة كلينتون من إعادة طفل كوبي إلى والده في هافانا، وشارك بعمق في إعادة الفرز بين بوش وجور في عام 2000.
وقبل انضمامه لمحكمة الاستئناف، كان لاعباً رئيساً في حركة المجتمع القانوني المحافظة، وأقام علاقات قوية مع مفكرين قضائيين في الجمعية الفيدرالية ومع محامين سياسيين أمثال مستشار البيت الأبيض الحالي «دون ماكجان». وأي قرارات للمحكمة العليا تؤثر على ترامب شخصياً، أو أي قضايا سياسية مثل إعادة توزيع الدوائر الانتخابية الخاصة أو حقوق الناخبين ستبرز هذه العلاقات. وقد ضاعف «كافانو» هذا عندما أغضبته الاتهامات الموجهة ضده، فذكر أنها مؤامرة دبرها «ديمقراطيون»، لا سيما آل كلينتون. وبعد ذلك اختار أن يدافع عن نفسه عبر منبرين يمينيين، من خلال مقابلة مع «فوكس نيوز»، وعمود في «وول ستريت جورنال».
*كاتب أميركي متخصص في الشؤون السياسية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»