كان يروق لترامب قبل توليه السلطة أن يصور عالماً تعيش فيه أميركا كابوساً مأسوياً. فالجميع في ذلك العالم عاطلون عن العمل، والجريمة متفشية، ولا أحد يلقي تحية عيد الميلاد على أحد خشية العواقب، والحياة عذاب مقيم من البؤس واليأس! هذا التباين يتجاوز حدودنا، فأميركا التي كان يجري التقليل من شأنها قبل ترامب، أصبحت في ظل قيادته تحظى بالاحترام والإعجاب!
لقد أعلن ترامب مراراً أن أميركا حظيت أخيراً بالاحترام مرة أخرى، لكن هذه الصورة مناقضة للواقع. دعونا أولاً نلقي نظرة على أحدث البيانات الصادرة عن مركز «بيو» البحثي، ومفادها بأن «صورة أميركا العالمية تدهورت بشدة بعد انتخاب ترامب، في غمرة معارضة واسعة النطاق لسياسات إدارته». والآن مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لانتخابه، يوضح مسح جديد لمركز «بيو» في 25 دولة أن  معدلات التأييد للولايات المتحدة أقل بكثير مما كانت عليه في ظل رئاسة أوباما.
وفي الدول الخمس والعشرين موضوع المسح، قال نحو 70% من المستجوَبين إنهم لا يثقون في الإدارة الحالية. وفي معظم هذه الدول تضررت صورة الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، في نهاية رئاسة أوباما كان 57% من الألمان لديهم وجهة نظر إيجابية عن الولايات المتحدة، لكن هذه النسبة أصبحت الآن 30% فقط. التراجع لم يحدث في كل مكان، بل هناك بلدان (كينيا وروسيا) يبدو أنّ لترامب فيهما تأثيراً إيجابياً على وجهة النظر عن الولايات المتحدة. لكنّ إجمالاً هناك انخفاض كبير في تقدير الشعوب لنا.
وينظر ترامب إلى التعاون الدولي، في أمور مثل تغير المناخ والأمن، كشأن غير ذي جدوى، ويعتقد أن الجميع يحاولون تحقيق مكاسب على حسابنا. وقد شكك مراراً في مشاركتنا في «الناتو».
والحقيقة أن علاقاتنا الدولية استخدمت دوماً سياسة الترغيب والترهيب، وحققت درجات متفاوتة من النجاح. وكل رئيس تعيه الذاكرة أدرك -على أقل تقدير- أن السعي للحصول على استحسان العالم -وليس فقط ادعاء الحصول عليه- قد يكون مفيداً لأميركا.
وحين يذهب ترامب إلى الأمم المتحدة، فربما تكون هذه لحظة محرجة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن قادة دول العالم لم يعودوا يخشون القوة العسكرية الأميركية أو لا يحبون الأفلام أو الموسيقى أو ألعاب الفيديو الأميركية التي تهيمن على الثقافة الشعبية في أرجاء العالم. لكن مواقف وسياسات ترامب تقدم فرصة لدولة أخرى، ربما تكون الصين، لتتقدم وتشغل فراغ القيادة الأميركية.
ويرى دانيال دريزنر، أستاذ السياسة الدولية في جامعة تافتس الأميركية، أن ترامب يفهم نوعاً رئيساً من السلطة، وهو القدرة على إجبار الآخرين على تنفيذ ما لن يفعلوه من دون إجبار، وتغيب عن ذهنه أنواع أخرى من السلطة؛ مثل بناء مؤسسات وسياسات تخدم أهدافنا أو تقنع الآخرين بتبني قيمنا. ويصعب إلى الآن التعرف إلى أي قيمة يريد ترامب للعالم أن يتبناها، وهو لم يُظهر اهتماماً خاصاً بالديمقراطية أو الحرية أو المؤسسات القوية للمجتمع المدني أو حتى منظمات التعاون الدولي (مثل منظمة التجارة الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.. إلخ)، أو أي من الأمور التي أنفقت أميركا عقوداً في دعمها.
وقد زاد من تدهور الصورة ما ظهر في مواقفنا الأخيرة من ديماغوجية وكراهية للأجانب. ويستطيع المرء تخيل رئيس يتبنى معتقد «أميركا أولاً»، لكن من دون أن يضر بالبلاد إلى هذا القدر.
ونتيجة كل ذلك، ربما تكون ثمة فترة ضائعة في العلاقات الدولية، نفتقر فيها لفرص تعزيز مكانتنا وقيمنا، فيما يتزايد نفوذ الصين.

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»