خلال يومِي الأول سفيراً للولايات المتحدة في براغ عام 2011، وجدتُ، تحت سطح طاولة عتيقة بمحل إقامتي الرسمي، رسمَ صليب معقوف أسود صغير. وكان أحد صلبان معقوفة كثيرة مخفية عبر أرجاء القصر، ويعود إلى الأيام التي كان محتلاً فيها من قبل النازيين.
رد فعلي لم يكن الاندهاش أو الاستياء، وإنما الشعور بالنصر، فالصلبان المعقوفة لم تكن تذكيراً بالشر الذي كانت تمثله فحسب، بل كانت كذلك تذكيراً بتدمير الحلفاء لذالك النظام الوحشي.
وقد وجدتُني أتذكر تلك الصلبان المعقوفة مؤخراً، وأنا أفكر بشأن التيار غير الليبرالي على جانبي الأطلسي. البعض ينظر إلى التهديدات المحدقة بالنظام الليبرالي اليوم، فيسيطر عليه شعور باليأس. فالأمر لا يتعلق فقط بمحور ترامب- بوتين، ولكن أيضاً بقادة المجر وتركيا وبولندا وإيطاليا والنمسا وغيرها.
لكني متفائل ومؤمن بأن الديمقراطية ستنتصر على الموجة غير الليبرالية. فقد سبق للمشروع الليبرالي أن واجه ما هو أسوأ بكثير مثل: الحرب العالمية الأولى، والكساد الكبير، والحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة.. لكن الديمقراطية تغلبت عليهم جميعاً.
اليوم، يقود بعض الزعماء هجوماً مباشراً على الأركان الخمسة للمشروع الليبرالي، الحريات الشخصية والسياسية والإعلامية وحريات الأسواق وحكم القانون. ويمثّل الخطاب العرقي المسيء هجوماً على المساواة الشخصية، كما يمثل تجريم الخصوم انتهاكاً للمعايير السياسية، مثله مثل التهديد لوسائل الإعلام (بما في ذلك محركات البحث على الإنترنت).. خرقاً لقيم التعديل الأول من الدستور. كما تُعتبر الرسوم الجمركية ازدراءً بالمبادرة الحرة، والهجماتُ المستمرة على وزارة العدل وموظفيها ازدراءً بحكم القانون.
أغلبية كبيرة من الأميركيين ترفض هذا التوجه، مما يُنذر بنتائج سيئة للجمهوريين في الانتخابات النصفية. كما أن وسائل الإعلام تنبري حالياً لانتقاد التدابير المشوِّهة لحرية الأسواق، لكن حكم القانون هو الذي سيكون له التأثير الأكبر.
وقد شهد شهر أغسطس الماضي إدانة متزامنة لبول مانافورت، الرئيس السابق لحملة ترامب، واعترافاً بالذنب من قبل مايكل كوهين الذي كان محاميه لفترة طويلة. أعقب ذلك خبرٌ مفاده أن مساعديْن آخريْن لترامب عقدا صفقة حصانة للإدلاء بشهادتيهما حول دفعات «مال الصمت» المثير للجدل. ويبدو من غير المرجح أن ممثلي الادعاء العام قد تحّملوا كل هذا العناء فقط من أجل متابعة كوهين الذي كان ثمة كم كبير من الأدلة متاحاً ضده منذ بعض الوقت.
الحدث المقبل يمكن أن يكون تقريرَ المحقق الخاص روبرت مولر حول احتمال ضلوع البيت الأبيض في عرقلة العدالة، وهو الاحتمال الذي توجد حوله الآن أدلةٌ مهمة في السجل العام. وتفيد بعض التقارير بأن مولر أخذ يركّز تحقيقه على ما إن كانت حملة ترامب قد تواطأت مع روسيا في هجومها على الانتخابات الأميركية.
وإذا تغيرت الأغلبية في الكونجرس، سيجد ترامب نفسه في مواجهة المؤسسة الجديدة، فيما هو يستعد فيه مجدداً للمثول أمام الناخبين في اقتراع الرئاسة القادم.
ويبقى الأمر مرهوناً بشروط محددة، فهناك الكثير من «إذا». وعلى العموم هناك اختيارات ينبغي على الجميع على جانبي الأطلسي القيام بها، منعاً لإطالة أمد الصراع.
في عام 1938، كانت هناك ظروف للتغيير في ألمانيا، لو أن الغرب قاوم هتلر.. لكننا فشلنا وأضعنا فرصة لتجنب سنوات المذبحة التي تلت ذلك. فمسار التاريخ يدور حول نقاط انعطاف مثل هذه، ومسيرة الديمقراطية الحتمية تُسرَّع أو تُبطَّأ. واليوم، يواجه الأميركيون الكثير من نقاط الانعطاف.

نورمان إيزن* 
*دبلوماسي أميركي سابق وباحث وزميل مؤسسة بروكينجز في واشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»