يوم السَّبت قبل الماضي (22/9/2018) أجرت القوات المسلحة الإيرانية استعراضاً بمناسبة مرور ثمانية وثلاثين سنةً على إشعال الحرب العراقية- الإيرانية، هذا التَّاريخ حسب الرواية الإيرانية، وأيده الاجتياح الكبير للجيش العراقي داخل العمق الإيراني.
أما العراق فظل يعتبر الحرب قد بدأت قبل ذلك، وقدم الشكاوى للأمم المتحدة ضد التحرشات الحدودية، ناهيك عن التظاهرات التي اجتاحت المدن الإيرانية مِن أجل قيام دولة إسلامية بالعراق، والبرقية التي أُذيعت من الإذاعة الإيرانية، التي طلب بها قائد الثَّورة مِن محمد باقر الصَّدر(أعدم 1980) عدم مغادرة العراق لقيادة الثورة الإسلامية، وتلك قصة مشهورة. فمن يتحدث عن الحرب عليه حساب تلك المقدمات.
ظل العراق، حتى 2003، يحتفل بنهاية الحرب لأنه جنى الانتصار، مع الخراب الذي أصاب البلدين، بينما إيران تحتفل ببدايتها، وبين البداية والنّهاية ثماني سنوات مُهلكة للزَّرع والضَّرع. كان للحرب أن تقف لكن آية الله الخميني (ت1989) رفض ذلك، ففي حسابه أنه سيصل إلى القُدس عبر كربلاء!
لم تنته الحرب مِن جانب إيران، لأن عواقبها على العراق ما زالت تفعل فعلها، فعندما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية فرض العقوبات على إيران، برزت المناكفات بين العراقيين بخصوصها، أحزاب وشخصيات دينية، نشأت داخل إيران وحاربت مع الجيش الإيراني ضد الجيش العراقي، وهي الآن على دست السُّلطة العراقية، طالبت العراق بتعويض «الجمهورية الإسلامية» (هكذا عنوانها عندهم) عن خسائرها في الحرب.
وبناء على كل ما سبق يتعين على السياسيين الإيرانيين أن يُراجعوا سياساتهم، في ما يخص تصدير الثَّورة، فوجود «حزب الله» بلبنان خلق لإيران خصوماً، ومن داخل الطائفة الشِّيعية نفسها، مع علمنا بأن أول مَن خرج على تطبيق فكرة ولاية الفقيه الفقيهان: محمد جواد مغنية (ت1979)، ومحمد مهدي شمس الدِّين(ت2001)، وبعدها عُزل السَّيد علي الأمين عن القضاء الشَّرعي (2008) بسبب تأكيده على الولاء للوطن اللبناني، ومواجهة مصادرة حزب الله للطائفة.
أما العراق فالقضية أبعد مِن ذلك، فإذا كان الوجود الإيراني بلبنان ممثلاً بـ«حزب الله»، فبغداد والبصرة وبقية المدن العراقية تئن تحت أكثر مِن حزب وميليشيا تابعة للولي الفقيه، ولأن العراقيين (حسب المنطق الإيراني لا عهد لهم) أخذوا يُكاثرون الميليشيات، وكل ميليشيا لها ارتباطها الخاص، مِن عصائب ونجائب، وأن أحزاباً عندما يتحدث قادتها مِن داخل بغداد تتوهم وتسأل نفسك: هل هؤلاء ببغداد أم بطهران؟! وهم مثلما تقدم لا يلفظون إيران باسمها الرَّسمي إنما بالجمهورية الإسلامية فقط، على أنها ممتدة إلى العراق.
غير أن مقدار الكراهية لإيران أخذ يتصاعد، والشَّاهد التظاهرات التي انطلقت بالبصرة، وأسفرت عن حرق مقرات الأحزاب الدِّينية، وتحطيم القنصلية الإيرانية. ليُقال ما يُقال بأن تلك (مؤامرة) أميركية، أو البعض الآخر جعلها (مؤامرة) إيرانية، لكن علينا بالحدث نفسه، حتى إذا فعلتها الميليشيات نفسها، فإنها دليل أن هناك مخاوف إيرانية غير مخفية. يعلم «حزب الله» اللبناني والأحزاب الدينية والميليشيات بالعراق أن وجودها مرتبط بوجود نظام ولاية الفقيه، فقد أشرقوا بشروقها وسيغربون بغروبها، لهذا لا قيمة للمواطنة عندهم.
عودة على بدء، تداولت عبارة «دار السَّيد مأمونة» بين العراقيين، قديماً وحديثاً، يُنقل عن رئيس وزراء العراق نوري السَّعيد (قُتل1958) كان يقولها لمَن يخبره عن وجود حركة ما ضد النِّظام، ويقصد بالسَّيد الملك فيصل الثَّاني (قُتل 1958)، فهو مِن نسل آل البيت، حتى عصفت العواصف بالدَّار وحصل ما حصل.
قبل ذلك نصح بها منجم آخر خلفاء العباسيين المستعصم بالله (قُتل 1258 ميلادية): أن الخلافة لا يسقطها المغول ولا غيرهم إنها «دوحة النُّبوة»، ولما دخلوا إلى عِقر دار الخلافة، سألوا المنجم سُليمان شاه عمَّا نصح به الخليفة، وجعله مطمئناً في قصره، فأجابهم بالقول: «لقد كان الخليفة مستبدًّا برأيه، منكود الطَّالع، فلم يستمع لنصح الناصحين» (الهمذانيّ، جامع التواريخ- تاريخ هولاكو).
أخشى أن السَّيد علي خامنئي، قد ركن وقرت عينه بنيابة الإمام، على أنها «دوحة النُّبوة»، وهو نائبها، وأن الثَّورة الإسلامية بإيران لعموم العالم الإسلامي، ممهدة للمهدي المنتظر، مِن دون النَّظر لِما حوله مِن المخاطر. غير أن الأعداء والمنسحبين قد تكاثروا ويتكاثرون، ولا يكن مطمئناً لهذا الخلود الكاذب، فقبله العباسيون أخطأوا الحساب، ففي أول يوم تسلموا السُّلطة قال خطيبهم: «اعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم» (الطَّبري، تاريخ الأمم والملوك)، لكن الخلافة التي بدأت بوهم الخلود انتهت بمشورة المنجم سليمان شاه (قُتل 1258ميلاية). فلا يظن أن دار السَّيد مأمونة، وينشغل عمَّا يجري حوله في الدَّاخل والخارج، والوقت أزف وحانت المراجعة، اليوم وليس غداً.