في القرن العشرين، حصلت تحولات كبرى في المعارف والعلوم الإنسانية والعلمية، ورافق ذلك تطور في التقنيات بتنوعاتها، ومنها ظهور الجيل الرابع والخامس من الحروب، التي تعتمد على القوة الناعمة في إيجاد التناقض بين الدولة والمجتمع، كما حدث في الفوضى التي أُطلق عليها (الثورات العربية). وفي هذا التقدم التقني، وما لازمه من سرعة فائقة، تلاشت المسافة وتآكل الزمن، كبعد رابع متداخل مع المكان كما يقول «ألبرت إنشتاين» في النسبية، وأصبح العالم قرية كونية بهذه المصفوفات التقنية تقاربت بها الجغرافية السياسية لتؤثر في مفهوم الجوار بما يشكل امتداداً للمصالح الجغرافية.
الإمارات تصون جسور علاقاتها، وتهدم الأسوار الشائكة المعيقة في تواصلها، لبناء العلاقات مع جميع الدول المحبة للسلام من خلال تحريك زوايا جغرافية العلاقات بين الدول، استطاعت دولة الإمارات القفز على المسافات الجغرافية، لتجاور بالصداقة دول عديدة ومتنوعة جغرافياً، وتجلى هذا بحراك دبلوماسي نشط في الدورة الـ73 للأمم المتحدة، وكان الدور البارز والفعال لسمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، في الأمم المتحدة والوفد الرفيع المستوى المرافق لسموه، وكلمته القيمة التي عبرت عن التوجهات السلمية للدولة ومواقفها الإيجابية في المشاركة في صنع السلام ومناصرتها للقضايا العادلة، وفِي مقدمتها قضية فلسطين، وحل الدولتين، وفلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.
على جانب آخر، نسجل هنا بكل ارتياح ما قامت به دولة الإمارات تجاه دول شرق أفريقيا (إثيوبيا وأريتريا) من خلال المصالحة التي تمت بينهما في العاصمة أبوظبي، لتواصل المملكة العربية السعودية مباركتها بتوقيع البلدين واستكمال اتفاقهما في الرياض تحت رعاية الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين، كما أضافت إليهما المصالحة مع جمهورية جيبوتي. هذه الامتدادات الجغرافية السلمية وصيانة الجسور مع هذه الدول، تشكل سياجاً خارجياً للأمن القومي العربي. وهذا يتماهى مع مبدأ الاعتماد المتبادل بين السعودية والإمارات، لتسجل رصيداً وقيّمة إضافية، لعلاقة المملكة والإمارات، ما يشكل المجال الحيوي جغرافياً، في سد الثغور في وجه التمدد الفارسي باتجاه باب المندب والبحر الأحمر، كما أن العلاقة الثنائية السعودية والإماراتية مع إثيوبيا، تعد رصيداً أيضا لصالح مصر الشقيقة، وفِي السياق نفسه، تنسجم مع توجهات السودان الشقيقة، عضو التحالف العربي.
وعلى صعيد معاكس، تبرز إيران كدولة جوار جغرافي قريبة فيما تبدو، بعيدة كل البُعد، سلوكياً، كونها لا تعير مبادئ حُسن الجوار مع غالبية دول الجوار الخليجي أي اعتبار، ويتضح ذلك عبر استمرار احتلالها لجزر الإمارات الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبري وأبوموسى. وتعاني بلاد الرافدين من تمادي إيران وتوغلها في الشأن العام العراقي وخرق سيادته وعرقلة مسيرتها السياسية. في السياق نفسه، تتلاعب صورة قطر النظام، كدمية لا قرار لها، دفعاً مزجياً من جهة تركيا و"الشريفة" إيران، وهي تتهادي، متكئة على رصيدها المالي، الذي تملكه وتهش بغنمها من الميليشيات الإرهابية التي ترعاها، وفِي الوقت نفسه تدفع ملايين الدولارات، لشركات الإعلانات الأميركية لتحسين صورتها.
مع هذه التحولات النوعية السريعة تحرص الإمارات على سلوكها السياسي المسالم الذي عزز علاقاتها مع معظم دول العالم، وراكم لها رصيداً إقليمياً ودولياً يظهر في المساعدات الإنسانية والمشاركة في قوات حفظ السلام الدولي في عدة دول، ويضمن مكافحتها للإرهاب عملياً وفكرياً، ضمن التحالف الدولي، ذلك ما حظيت به دولة الإمارات من ثقة واحترام المجتمع الدولي.