خلال الأعوام العشرة الماضية، ركزت الهند على قدراتها العلمية والتكنولوجية، وحققت نتائج مذهلة. ومن المرجح كذلك أن تصبح ثالث أكبر قوة اقتصادية بحلول منتصف القرن الجاري بعد الصين والولايات المتحدة. وتقدمها في مجالات علوم الفضاء والواقع الرقمي ينمو بسرعة كبيرة، ويضع الدولة في مصاف الدول المتقدمة عالمياً. وهذه الإنجازات تبث فيها ثقة كبيرة لكي تلعب دوراً أكثر نشاطاً في المشهد الجيوسياسي.
وعندما وصل «ناريندرا مودي» إلى السلطة قبل أربعة أعوام، دعا قادة الدول المجاورة لحضور حفل التنصيب. وأشارت تلك المبادرة إلى أنه جعل الانفتاح على دول الجوار أولوية في حكومته. لكن مع مرور الوقت، أضحى واضحاً أن السياسة الخارجية لحكومته ظلت رهينة التنافس بين الهند وباكستان. ولم يتمكن من تحسين الروابط مع مجموعة الدول في شبه القارة الهندية، وجارتها باكستان.
وعندما أعلن عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني المنتخب حديثاً، على الملأ استعداد حكومته لاتخاذ خطوتين إذا قررت الهند اتخاذ خطوة واحدة للأمام من أجل عقد حوار، شعر كثيرون بالأمل في أنه من الممكن حدوث تقدم في العلاقات بين البلدين. وكتب عمران خان إلى رئيس الوزراء مودي يدعوه إلى عقد اجتماع ينص على أنه برغم وجود «توتر في العلاقات لا يمكن إنكاره» بين الهند وباكستان، إلا أن شعبي البلدين يستحقان حل قضاياهما بطريقة سلمية. ورداً على ذلك، وافقت نيودلهي على عقد اجتماع على مستوى وزيري خارجية البلدين على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن بعد مرور يوم واحد على تلك الموافقة، ألغت الهند الاجتماع موجهة اللوم إلى «كيانات في باكستان» بشأن مقتل ثلاثة رجال شرطة في كشمير. وفي المقابل، ردت باكستان بقوة رافضة أي علاقة لها بالهجمات المزعومة العابرة للحدود، مؤكدة أن الهجوم وقع قبل يومين على موافقة الهند على عقد الاجتماع.
وقد سلطت المسألة برمتها الضوء مرة أخرى على نهج الهند بشأن علاقاتها مع جارتها. وفي حين أن العلاقات مع باكستان كانت دائماً مضطربة، لكن علاقات الهند مع دول الجوار الأخرى تبدو متوترة في أجواء صعبة كذلك. ففي الجنوب، مرت العلاقات مع المالديف بمرحلة من الاضطراب. وتعتبر نيودلهي أن المالديف خاضعة لنطاق تأثيرها، لكن علاقة الأخيرة بالصين أصبحت أقوى بدرجة أثارت استياء الهند. لذا تعتبر الهزيمة غير المتوقعة للرئيس «عبدالله يمين» في انتخابات الأسبوع الماضي وفوز إبراهيم صالح، مرشح مجموعة من أحزاب المعارضة نبأ ساراً بالنسبة للهند. لكن المهمة المقبلة للرئيس الجديد ستكون أشد صعوبة، إذ أن أولويته في المستقبل المنظور ستظل الحفاظ على وحدة الائتلاف المنقسم، والذي يشمل متنافسين شرسين هما مأمون قيوم ومحمد نشيد، وكلاهما رئيسان سابقان، بدلاً من الاهتمام بالمصالح الهندية في المنافسة بين الهند والصين على النفوذ.
وعلاوة على ذلك، تعاني العلاقات بين الهند ونيبال من توترات أيضاً، فقرار نيبال المشاركة في مناورات مكافحة الإرهاب مع الصين، برغم رفضها المشاركة في المناورات متعددة الجوانب التي شاركت فيها الهند أثارت تكهنات حول تزعزع العلاقات بين نيودلهي وكاتماندو. وقد قررت نيبال الانسحاب من تدريبات عسكرية متعلقة بمبادرة خليج البنجال للتعاون التقني والاقتصادي متعدد القطاعات، لكنها توجهت بعد عشرة أيام للمشاركة في مناورة إدارة الكوارث والتصدي للإرهاب الثنائية مع الصين. وقد كانت الهند ونيبال ترتبطان بعلاقات وثيقة تقليدية، لكنها شهدت منعطفات حادة خصوصاً في ظل سعي نيبال إلى تقليص اعتمادها على الهند منذ 2016، عندما أدى إغلاق المعابر الحدودية الرئيسة إلى حدوث نقص في الوقود والأدوية والاحتياجات الأساسية الأخرى.
وفي بوتان، أغضبت هزيمة «الحزب الديمقراطي الشعبي» بقيادة رئيس الوزراء «تشيرينج توبجاي» في الجولة الأولى من الانتخابات، نيودلهي بشكل كبير، إذ يُنظر إليه على نحو واسع النطاق بأنه موال للهند. ومن المقرر أن تجري الجولة الثانية من الانتخابات العامة في أكتوبر المقبل.
والدولة الوحيدة في شبه القارة، التي لا تزال علاقاتها طيبة مع الهند في الوقت الراهن هي بنجلاديش. وعلى رغم من التوترات بشأن هجرة المواطنين البنجال بصورة غير قانونية إلى الهند، إلا أن رئيسة الوزراء البنجالية الشيخة حسينة واجد، وهي صديقة معروفة للهند، لا تزال حتى الآن ناجحة في السيطرة على المشاعر المناهضة للهند بشأن هذه القضية. غير أن هناك مخاوف حقيقية من موجة مناهضة لنيودلهي في بنجلاديش إذا لم تتوقف تصريحات جناح اليمين المتطرف من القوميين الهندوس بشأن طرد مئات آلاف المهاجرين البنجال من الهند. ويمكن أن تقوض التصريحات والإجراءات السياسية المحلية بسهولة تطلعات نيودلهي لكي تصبح قوة فاعلة كبرى على الساحة الدولية. ومن ثم، عليها أن تركز أولاً على تحسين علاقاتها مع دول الجوار في شبه القارة لتعزيز مصداقيتها على الساحة الدولية.