يبدو الاهتمام بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس، والتي ستُجرى في نوفمبر المقبل، أوسع مما كان معتاداً خلال العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل. ويُطلق على هذه الانتخابات نصفية لأنها تُجرى في منتصف فترة الرئاسة، أي بين انتخابين رئاسيين، وليس لأنها تؤدي إلى تجديد نصف أعضاء الكونجرس.
هذه انتخابات كاملة بالنسبة لمجلس النواب، إذ تشمل جميع أعضائه الذين يبلغ عددهم 435 نائباً، ونحو ثلث أعضاء مجلس الشيوخ (33 من بين 100 سناتور)، إلى جانب 39 من حكام الولايات، وحكام ثلاث جزر تابعة لأميركا، هي: جوام، والعذراء، وماريانا الشمالية.
وربما يعود الاهتمام الزائد بهذه الانتخابات تحديداً إلى الجدل الذي تثيره حول الآثار المحتملة لنتائجها على مستقبل الرئيس ترامب. هناك من يرى أن استعادة الحزب الديمقراطي السيطرة على الكونجرس قد تحدِث تطوراً نوعياً في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وتفتح الباب أمام الشروع في اتخاذ إجراءات إقالة ترامب. لا يتفق كثيرون مع هذا التقدير؛ لأن القضية نفسها ضعيفة، ويتعذر الوصول إلى يقين في شأنها. كما يصعب إثبات تورط ترامب شخصياً فيها حتى إذا توفرت أدلة قوية تدين بعض المسؤولين في حملته الانتخابية.
ويذهب اتجاه آخر إلى أن تحقيق الديمقراطيين اختراقاً كبيراً في هذه الانتخابات سيُضعف مركز ترامب في عملية صناعة القرار خلال العامين القادمين من رئاسته، لأنهم سيكونون قادرين على تعطيل جدول أعماله.
ترامب، إذن، حاضر بقوة في هذه الانتخابات رغم أنه ليس مرشحاً فيها. وهذا ما يضفي عليها أهمية كبيرة. وإلى جانب الجدل حول احتمالات تأثيرها في مسار قضية التدخل الروسي، فهي تثير سؤالاً آخر عن مدى صحة النظر إلى نتائجها كمؤشر على فرصه في الحصول على ولاية ثانية.
ورغم أن مياهاً كثيرة ستجري في نهر السياسة والمجتمع والاقتصاد في الولايات المتحدة على مدى عامين بعد الانتخابات النصفية، تظل نتائجها مؤشراً على مدى تماسك الحزب الجمهوري، ومدى حماس أعضائه الذين لم يتمكنوا من التكيف مع طريقة ترامب ومنهجه، خصوصاً سياسته الحمائية تجاه الواردات.
غير أن هذه النتائج نفسها ربما تتوقف على مدى مشاركة الأجيال الجديدة فيها. وربما يعطي قياس معدلات اقتراع الأجيال المختلفة فيها مؤشراً مهماً بالنسبة لمستقبل المشاركة السياسية في الولايات المتحدة بوجه عام، وأنماط الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي فرص ترامب في الفوز بولاية ثانية.
لا يخفى أن قاعدة ترامب الانتخابية تعتمد على الأجيال الأكبر سناً، خاصة من الذين يُطلق عليهم أجيال مرحلة ازدهار المواليد في العقدين التاليين للحرب العالمية الثانية، أي الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و75 عاماً الآن. كما تشمل هذه القاعدة نسبة كبيرة من الأجيال الوسيطة، أي الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و50 عاماً. غير أن الوضع يختلف بالنسبة للأجيال الأصغر سناً، خاصة مَن يُطلق عليهم أجيال الألفية الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً. فأغلبية كبيرة من هؤلاء إما تنتمي إلى الحزب الديمقراطي، أو ترفض الحزبين، لكن قلقها من توجهات ترامب يجعلها أقرب إلى معارضيه.
لم يشارك سوى حوالي نصف أجيال الألفية في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها ترامب. ومن بين 67 مليوناً هم العدد الإجمالي لأبناء هذه الأجيال، شارك 34 مليوناً فقط. وهذه أقل نسبة تصويت وفق مستويات العمر في تلك الانتخابات.
لذا يسعى ناشطو الحزب الديمقراطي إلى تعبئة أجيال الألفية قبل الانتخابات النصفية، من أجل زيادة مشاركتهم فيها. وتعتمد التحركات الهادفة إلى استنهاض هذه الأجيال على قضيتين تشغلان قطاعات كبيرة منهم: الأولى هي قضية امتلاك السلاح، لأن معظم ضحايا حوادث إطلاق النار في الأماكن العامة من هذه الأجيال. وقعت أخطر هذه الحوادث خلال الفترة الماضية في مدارس. أما القضية الثانية فهي التحرش الجنسي الذي حدث تطور نوعى في الأنشطة المضادة له منذ تأسيس حركة «مي تو» العام الماضي.
ستكون الانتخابات النصفية المنتظرة، إذن، ساخنة ومثيرة لاهتمام يتجاوز حدود الولايات المتحدة.