يتكرّر الكلام منذ شهور عن «صفقة القرن» لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنها لم تُعلن بعد، مما قد يعكس عدم الخبرة وفوضى صناعة القرار في واشنطن. لن نكرر الكلام عن أهمية الولايات المتحدة، عالمياً وإقليمياً.. عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وإنما يكفي أن نذكر بأنه في صندوق النقد الدولي مثلاً، والذي يتحدد مستوى التصويت فيه طبقاً للإسهام المالي لأعضائه، تستحوذ الولايات المتحدة على 22% من نسبة التصويت، بمعنى أن أية دولة تود الاقتراض من الصندوق يجب أن تحوز على رضا ودعم واشنطن قبل أي شيء آخر.
هناك حالياً مفارقة في نفوذ واشنطن على المستوى العالمي؛ فالقوة الأميركية مادياً لم تنقص بل تزيد، أما القوة المعنوية، أي النفوذ الأدبي، فهي في تدهور خارجياً وداخلياً.
السبب الرئيسي، هو طريقة عمل الرئيس الحالي. لقد رأينا في السياسة الدولية أمثلة لدول صغيرة نسبياً يحكمها رئيس كاريزمي يتمتّع بسمعة طيبة، فيصبح نفوذه العالمي أكبر بكثير من قوّة بلده المادية. وهناك حتى الآن 11 كتاباً من أكثر الكتب مبيعاً توثق بعض المشاكل السلوكية والشخصية، كما أن ما لا يقل عن 24 من كبار موظفي الإدارة، بمن فيهم وزيرا العدل والخارجية السابقين، استقالوا أو أُقيلوا.
آخر التحذيرات بهذا الشأن جاءت من أحد كبار موظفي ترامب نشر مقالة في «نيويورك التايمز» -دون ذكر اسمه- يقول فيها بوضوح إن بعض المسؤولين لا ينفذون قرارات الرئيس، حمايةً للمصلحة القومية العليا! إحدى المشكلات التي يُعاني منها كبار الموظفين داخل البيت الأبيض حالياً، هي اهتمام الرئيس بالولاء الشخصي على حساب المهنية. وبهذا الخصوص يهم منطقتنا اعتماده الكامل على «جاريد كوشنر»، زوج ابنته إيفانكا. فهذا الشاب (37 عاماً) لديه بالفعل معرفة بإسرائيل أساساً، وليس بالمنطقة ككل، واتصالاته هو وأسرته قوية باليمين الإسرائيلي وبدوائر المال الإسرائيلية الأميركية، حيث لوالده استثمارات ضخمة مع رجال أعمال وساسة إسرائيليين، لدرجة أن نتنياهو كان يقضي بعض أيامه مع أسرة كوشنر أثناء زيارته الولايات المتحدة قبل أن يُصبح رئيساً للوزراء. وقد تبرعت الأسرة عدة مرّات لدعم المستوطنات الإسرائيلية.
خبرة كوشنر الشاب لا تقتصر على إسرائيل فقط، بل على اليمين الإسرائيلي حصراً، لدرجة أنه عند زواجه بإيفانكا، أُجبرت هذه الشابة على تغيير ديانتها إلى اليهودية، وكان هناك تردد في قبولها لدى بعض أعضاء الأسرة، لأنّها لم تكن يهودية عند المولد.
تخرج كوشنر من جامعة هارفارد عام 2003، لكنه دخل العمل مع والده، تاجر العقارات الثري. فهو إذن يشترك مع والد زوجته في هذا المجال وفي محدودية خبرته السياسية أيضاً.
النتيجة بالنسبة لسياسة ترامب الخارجية، وخاصة فيما يخص منطقتنا، هي عدم الخبرة، إذ لديه إلمام ناقص فيما يخص الصراع الفلسطيني، رغم تواصله مع إسرائيل، بل مع جزء واحد من إسرائيل هو اليهود الأميركيون واليمين الإسرائيلي واليهود الأرثوذوكس.
والنتيجة الرئيسية لذلك هي التردد، بل الفوضى، داخل كواليس البيت الأبيض وعلى أعلى المستويات، كما يتضح من الكتب التي تقدم معلومات دقيقة من الداخل، ومن عدد الموظفين القريبين من ترامب الذين استقالوا أم أقيلوا (نحو 24 في أقل من عامين)، بمن فيهم وزيرا الخارجية والعدل وثلاث مستشارين للأمن القومي والعديد من كبار مسؤولي الإعلام والاتصال.
كما أن بعض الموظفين المستمرين في عملهم يعملون ضد قرارات الرئيس من الداخل من «أجل المصلحة العامة»، كما قال أحدهم في مقال «نيويورك تايمز» وإن لم يذكر اسمه!
وبسبب هذه الفوضى في اتخاذ القرار في قمة السلطة، فإن الحذر واجب.