يشهد العقد الثاني من الألفية الثالثة تطوراً غير مسبوق في العلاقات الإيجابية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إن على الصعد السياسية والدبلوماسية والاقتصادية أو على الصعد العسكرية والأمنية والجيو استراتيجية. فقد تأسست علاقات قوية بين الطرفين قوامها الاحترام المتبادل والتشاور المستمر حول المصالح الاستراتيجية المشتركة. ولعل مفتاح النجاح الباهر لهذه العلاقات الأخوية، السعودية الإماراتية، هو الوعي بالمصير المشترك بين البلدين، ومشيئة القيادتين ورغبتهما القوية والصادقة في توطيد علاقاتهما والسير بها نحو مدياتها القصوى، لمواجهة المخاطر المحيطة بالإقليم والمنطقة.


أربع خصائص

تشكل علاقات الإمارات بالسعودية قصة نجاح رائعة في السياسة الخارجية لكلا الدولتين، وهي علاقات تطورت وفق خصائص ومميزات أهمها:
أولا: أن السعودية ودولة الإمارات شريكين كاملين في تحقيق مصالحهما الوطنية الشاملة والدفاع عنها معاً، لذلك فإنهما متفقتان حول جميع القضايا الرئيسية، مما يفتح الباب على مصراعيه أمامهما لإقامة تعاون متميز يحققان من خلاله تطلعات القيادتين والشعبين.
ثانياً: كونها علاقات تقوم على أسس ودعائم قوية، وهي إيجابية من جميع الجوانب، ولا تمكن مقارنتها بأي علاقات ثنائية أخرى، لاسيما أنها قائمة بين القيادات والنخب، وبين الشعبين أيضاً بحكم المقومات التاريخية والجغرافية وروابط الدم والقربى الموغلة في التاريخ، علاوة على المصالح المشتركة المتزايدة.
ثالثاً: السعي الحثيث من جانب البلدين لتنمية هذه العلاقات وتطويرها، وذلك بفضل ما يجمع القيادتين من مودة وانسجام ورغبة أكيدة في رعاية المصالح المشتركة الكثيرة.
رابعاً: التطورات الجارية في العالم العربي، خاصة في العراق وسوريا واليمن، علاوة على الجوار العربي (مثل إيران وتركيا وبلدان آسيا الوسطى)، وفي علاقة الولايات المتحدة بكل من روسيا والصين والهند، حيث من المحتمل أن تزيد الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي، مما يعني ضرورة إعادة تقييم ما يمكن للسعودية والإمارات القيام به مجتمعتين في شؤون المنطقة، لاسيما بعد انتقال مركز الثقل في المنطقة إلى الرياض.

معطيات قائمة

وتعمل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على الاستفادة القصوى من المعطيات القائمة على الأرض، والتي يمكن اختزالها في عاملين أساسيين:
الأول: إمكانية التكامل بين عناصر القوة الشاملة التي تمتلكها كل منهما، بحكم الواقع السياسي والاقتصادي والاستراتيجي والعسكري.
الثاني: المخاطر الأمنية الخارجية التي يواجهها البلدان سوياً داخل منطقة مضطربة، لاسيما المخاطر الآتية من إيران ومن الجماعات الإرهابية.
لقد دفعت مجريات الأحداث في المنطقة وما شهدته بعض دولها من فوضى عارمة، كلا من السعودية والإمارات للتركيز على المنطلقات الاستراتيجية، وما يترتب على ذلك التركيز من نتائج إيجابية لهما معاً. لذلك أخذت وتيرة التعاون في المجالات الاستراتيجية منحى متصاعداً وسريعاً بين الدولتين.
لذلك تتعاون الدولتان مع الأطراف الدولية الفاعلة والتي لها مصالح حيوية في الخليج العربي، لضمان السلام والأمن في الإقليم ولإبعاده عن أي توترات يمكن أن تمس استقراره.
إن المنطقة العربية وجوارها الجغرافي مبتليين منذ أمد بعيد بحروب متواصلة، وهي تواجه خطر المطامع الخارجية والإرهاب والتطرف، وبعض دولها تعاني فوضى عارمة. لذلك تعمل السعودية والإمارات معاً على إنهاء هذه الصراعات رغم ما تواجهانه من صعوبات جراء التدخلات الخارجية، الإيرانية والقطرية، في الشؤون الداخلية للدول العربية.


قوة الاقتصاد

يمثل الاقتصاد والتجارة جانباً مهماً في العلاقات السعودية الإماراتية؛ فمنذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين والإمارات والسعودية تتعاونان وتنسقان بشكل وثيق فيما يخص كميات إنتاج النفط وأسعاره ووفرته في السوق العالمي لكي لا يتضرر الاقتصاد الدولي، مما انعكس إيجابياً لصالح التنمية الشاملة والمستدامة في البلدين. لذلك أيضاً لم يتعرض البلدان للهزَّات الاقتصادية التي تعرَّضت لها معظم أقطار العالم العربي وجواره الجغرافي. ونظراً للميزات الاقتصادية والمالية لدى الدولتين، فإن أمامهما مجالات واسعة جداً لبناء علاقات اقتصادية وتجارية متينة في ما بينهما، فالمستقبل واعد والحاضر مشرق.


القادم أفضل

ما أعتقده هو أن الإمارات والسعودية تستطيعان التعامل مع أمرين مستقبليين في علاقاتهما القوية والثابتة والمستدامة: الأول هو منظومة من القرارات على الصعد السياسية والاستراتيجية والعسكرية والأمنية الخاصة بالبعدين الداخلي والخارجي. والثاني هو منظومة من القرارات والإجراءات على الصعد الاقتصادية والتجارية. ولا شك أن قرارات بمثل هذه الأهمية، على المستويين المذكورين آنفاً، قد تواجه صعوبات ومعارضات خارجية، وستتعرض لحملات إعلامية مغرضة من أطراف داخل المنطقة وخارجها ذات مصالح وأهداف في إعاقة الشراكة والتعاون الوثيق بين البلدين الشقيقين، لكن من المؤكد أن القيادتين قادرتان على تجاوز جميع العقبات الطارئة وعلى التعامل معها بحكمة وحنكة.
وستشهد السنوات القادمة مزيداً من التحولات الإيجابية في علاقات البلدين، تأخذها نحو مراحل أكثر عمقاً وحيوية وإيجابية. ولدى الإمارات والسعودية ما يكفي من الأسباب للشعور بالفخر والاعتزاز بما تحققانه سوياً من أمن وأمان وطمأنينة ورفاه لشعبيهما وللمنطقة، فيما يصعب قول الشيء نفسه عن جيرانهما الذين يبدو بعضهم حاسداً والآخر حاقداً على ما حققتاه، خاصة إيران وقطر. فمقابل كل نجاح تحققه السعودية والإمارات، هناك إخفاق في إيران وقطر على صُعد الأمن الداخلي والخارجي والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية.. في الوقت الذي تهدر فيه أموال الشعبين القطري والإيراني على دعم الإرهاب والفوضى الهدّامة والإعلام المضلل وتقديم الرشاوى والمشاريع الفاشلة.. إلى آخر المنظومة السلبية المعروفة.
فلله در السعودية والإمارات.. وإلى الأمام معاً، يداً بيد.

*كاتب إماراتي