ليس الخطر الإيراني وحده الذي يجمع دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ويدفعهما إلى العمل معاً من أجل إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة. توسع إيران الإقليمي، وحضورها عبر وكلائها أو بصورة مباشرة في قلب أربع عواصم عربية، دافع أساسي بالطبع لتدعيم التعاون السعودي – الإماراتي، الذي صار قطباً جاذباً لتحالف عربي أوسع يضم مصر والبحرين في الدائرة الأقرب، وبلدان أخرى عدة، في مقدمتها الأردن والمغرب، في إطاره الأوسع. لكنه ليس الدافع الوحيد للتطور الكبير الذي حدث، ولا يزال، في العلاقات الإماراتية – السعودية، وحمَّل الدولتين مسؤولية كبرى لإنقاذ العرب من تهديد لا يقل عن ذلك الذي ترتب على إنشاء إسرائيل قبل سبعة عقود، بل ربما يزيد، وإذ نستذكر في هذه الأيام تجربة تأسيس الدولة السعودية، وتوحيد أجزائها، في أجواء ذكرى يومها الوطني، نلاحظ أن ما يجمع الدولتين أقدم، وأبعد، من الخطر الإيراني الذي بلغ ذروته في العقد الأخير. كما أن الجوامع التي تربطهما تتجاوز ما يتصل بالانتماء الخليجي المشترك رغم أهميته التاريخية.
لا يكفي الانتماء إلى منطقة واحدة لها تاريخها المشترك لإقامة علاقات وطيدة. يتطلب هذا المستوى من العلاقات رؤى مشتركة للحاضر والمستقبل، وتوافقاً واسعاً على مصادر التهديد الأساسية وكيفية مواجهتها.
ولا تقتصر القواسم المشتركة بين دولة الإمارات والسعودية، على الثقافة الموروثة بما فيها من قيم أساسية، وتقاليد عربية، وأنماط حياة حافظتا عليها وجددتاها. تُمثل الدولتان التجربتين العربيتين الناجحتين حصراً في مجال التوحيد. ويمكنهما هذا النجاح من السعي إلى لمِّ ما يتيسر من الشتات العربي الراهن. كما أنهما الدولتان اللتان حققتا أكبر إنجاز عربي، خلال العقود الأخيرة، في تقوية أسس الدولة الوطنية، وتحديثها وتنميتها، إلى جانب تحمل مسؤوليتهما في دعم بلدان أخرى عربية، وغيرها.
والأرقام المدققة، والبيانات الموثقة، لا تخطئ في تبيان المعدلات المستمرة والمتزايدة للتحديث والتقدم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية، في عملية البناء والإعمار، وفي المساعدات التي تقدمها الدولتان لدعم بلدان صديقة، أو لإغاثة شعوب ملهوفة.
دور تاريخي، إذن، كان هائماً على وجهه في سماء المنطقة بحثاً عمن يضطلع به في أصعب لحظة يمر بها العرب منذ حصولهم على الاستقلال. دول تسقط، وأخرى تتفكك، وثالثة تعاني اضطرابات متفاوتة، ورابعة تنوء تحت ثقل تداعيات الفشل السياسي أو الاقتصادي أو كليهما. أبواب فُتحت في مطلع العقد الجاري أمام الإرهاب الذي يرفع رايات دينية سُنية وشيعية على حد سواء.
تزامن صعود جماعة «الإخوان» مع تأسيس تنظيم «داعش» ومجموعات إرهابية أخرى، في الوقت الذي بدأت إيران موجة جديدة في تمددها الإقليمي اعتماداً على وكلاء محليين في عدد متزايد من البلدان العربية. كان على الدولتين أن تتقدما لإنجاز مهمة تاريخية، فلم تتأخر، وأسهمتا بدور مهم في إنقاذ المنطقة من براثن جماعة استخدمت الدين وسيلة للهيمنة على أكبر بلد عربي، واستغلت الاضطرابات الناتجة عن حراك 2011 لتحقيق خطة التمكين عبر فروعها في بلدان عربية أخرى في الوقت نفسه. الإمارات والسعودية قادتا التحرك لمواجهة تمدد إيران، بوسائل متعددة سياسية ودبلوماسية واقتصادية وثقافية وفقاً لظروف كل من البلدان التي يهددها هذا التوسع، ولجأتا إلى الأداة العسكرية حين لم يكن ثمة بديل عنها في اليمن، عندما باتت ذراع طهران المحلية فيها (الجماعة الحوثية) قاب قوسين أو أدنى من ابتلاع هذا البلد العربي.
تحملت دولة الإمارات والسعودية مسؤوليتهما التاريخية في وضع الأساس اللازم لإلحاق هزيمة كبيرة بالإرهاب الذي يرفع رايات سُنية، ومازالت مهمتها مستمرة في التصدي لنظيره الذي يرفع رايات شيعية.