بادر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ توليه سُدّة الحكم في المملكة العربية السعودية خلفًا لأخيه الملك عبد الله إلى تحديد الإطار العام الذي سيتبعه في إدارة شؤون الدولة، وهو الاستمرار على «النهج القويم» الذي سارت عليه الدولة السعودية منذ تأسيسها. ولم يتردد منذ البداية في اتخاذ جملة من التغييرات ذات الطابع الإصلاحي، والتي مست أساساً الداخل السعودي ومن أبرزها ما عرف ب«سياسة الحزم» الداخلية التي تمثّلت في تغيير عدد من الوزراء والمجالس التنفيذية ومسؤولين كبار، والتي من جملة أهدافها محاربة الفساد وتفعيل دور السلطة التنفيذية بشكل أكبر، كما برزت رغبة الملك في ضخ دماء جديدة، ودفع العناصر الشابة إلى مفاصل الحكم، الأمر الذي تجسّد بتولي ابنه الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد، والذي كان قد بدأ قبل ذلك بفتح نقاش واسع مع الشباب السعودي التواق إلى التغيير والإصلاح مع الحفاظ على المكتسبات التاريخية وطبيعة الدولة القائمة على كتاب الله وسنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. الإقدام على هذه المبادرة الشجاعة في زمن انتشار التعصب الديني وسيطرة مشايخ الفضائيات وتصدرها المشهد الديني، مكّنت لسمو الأمير محمد بن سلمان أن يحظى بثقة الشباب السعودي وممثلاً لطموحاته، حاظياً بمباركة ودعم من والده خادم الحرمين الشريفين.
لم يتوانى الأمير محمد بن سلمان، المعروف بشدة العزم، وسعيه إلى إصلاحات عاجلة، في إطلاق برنامجه الإصلاحي، والذي يراه البعض أكبر تغيير اقتصادي وثقافي في تاريخ المملكة الحديث، من خلال «رؤية 2030» ومشروع «نيوم»، واعدًا «بعصرنة البلد» و«العودة إلى إسلام معتدل». مما جعل وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الغربية تراهن على هذه المشاريع الإصلاحية التي تعزز مسيرة المملكة العربية السعودية نحو التقدم الحضاري والتطور المدني.
فبعد ساعات قليلة من تشكيل لجنة لمكافحة الفساد برئاسته، ولم يمنع الأمير المصلح من إيقاف أكثر من 200 شخص من أمراء ووزراء ووزراء سابقين ورجال أعمال في حملة تطهير غير مسبوقة.
كما تم الإعلان عن الحد من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، وإجازة الأنشطة الترفيهية كدور السينما والمسرح والفن، ترافق ذلك مع تغيير كبير في الخطاب الديني الذي كان يمنع أي ابتكار فني أو فكر مستنير قائم على الاعتراف بالآخر وبقدرات المرأة كشريك الرجل في البناء والرقي، إلى أن عم منهج التكفير أو التبديع عند بعض مشايخ الدين.
وأمام اختطاف الإسلام من طرف جماعات «الصحوات» و«السلفيات» التي تشتغل لصالح أجندات خارجية هدفها العمل على تفتيت المملكة إلى دويلات قائمة على المذهبيات والطائفية وضع الأمير محمد بن سلمان المملكة أمام خيارين: إما الزج بها في سياسات غوغائية وشعبوية دينية يكون مصيرها التقوقع وفتن الظلاميين، أو أن المملكة تقود عملية الإصلاح، تغيير آليات استنباط الأحكام الشرعية وتحديث مؤسساتها والحزم مع أعداء المملكة ومع المتآمرين على أمن البلد.
هذا ما دفع بالأمير الشاب محمد بن سلمان أن يقود «عاصفة الحزم» بتشكيل تحالف عربي واسع مع أشقائه العرب خصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة ضد «الحوثيين» الإرهابيين في اليمن، وذلك في إطار سياسة خارجية أكثر وضوحاً، وفي إطار الإعداد للدور الذي ستضطلع به السعودية في ظل التغيرات الإقليمية والعالمية المتسارعة، ولمواجهة المد الإيراني الذي بات اليوم يسيطر على أربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء والحد من التدخل القطري في السياسات الداخلية لدول الخليج العربي.
يتابع العديد من المحللين والخبراء الغربيين خطوات الأمير محمد بن سلمان حتى لقبه البعض بالأمير الثائر على عقم التراث على الرغم من حساسية الملفات التي يتولاه الأمير محمد شخصياً كإطلاق الحرب الفكرية على أفكار القتال والتطرّف «الإخوانية» أو السلفية المتشددة، أملاً في تحقيق ما يطمح له كل الشباب العربي من ضرورة الإصلاح الديني والحداثة الثقافية حتى تتحقق الطمأنينة ويرجع الأمن والسلم في جموع العالم العربي.
رهانات كثيرة وتحديات كبيرة تواجه الأمير المصلح لكن الإيمان بالله وبالوطن أكبر: وصدق الله العظيم إذ يقول:«قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى? بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ? وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى? مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ? إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ? وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ? عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.»