احتفلت المملكة العربية السعودية أمس الأحد (23 سبتمبر الجاري) بيومها الوطني الثامن والثمانين، وهو يوم يؤرخ لتوحيد المملكة، وقد عكست السياسة الخارجية السعودية منذ تأسيسها عام 1932 على يد الملك عبد العزيز آل سعود، الدور الرائد للمملكة على كافة المستويات الداخلية والخارجية، وهو دور يتجاوز جغرافية المملكة إلى كافة الشعوب العربية والإسلامية، إذ عملت السعودية داخلياً على ترسيخ الاستقرار والتعايش، كما صاغت سياستها الخارجية على مجموعة من المبادئ والثوابت عبر دبلوماسية فاعلة تنشط على مستويات التأثير الخليجية والعربية والإسلامية والدولية، في توازن دقيق بين احتياجات الداخل ومتطلبات الدور الخارجي.
تعتبر دائرة التأثير الخليجية من أهم دوائر التفاعل بحكم الجغرافيا والتاريخ، فسعت المملكة ودول الخليج في خضم الأزمات المحيطة بالإقليم إلى تنسيق الجهود والسياسات المشتركة، خاصة الأمنية والدفاعية، فتم تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 بهدف التعاون والتكامل بين دوله وتوثيق الروابط الأخوية بين شعوبه، فبرز التنسيق الأمني بين أعضائه خلال الحرب العراقية الإيرانية ثم في مواجهة الاحتلال العراقي للكويت، وأثناء حرب الخليج الثانية، وصولا إلى دعم مملكة البحرين في عام 2011 ضد المخطط الإيراني، حيث قامت السعودية بدعم البحرين وإفشال جميع المخططات الخارجية التي استهدفتها، في إطار التعاون الخليجي.
وتأتي الدائرة العربية في صلب اهتمام السياسة الخارجية السعودية، حيث كان إنشاء جامعة الدول العربية وتوقيع ميثاقها في مارس 1945 كآلية مؤسسية للتعاون العربي المشترك وتنسيق الجهود والسياسات بين الدول العربية. ولعبت دوراً محورياً في حل الخلافات العربية العربية وتبنت القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، وعنصراً رئيسياً في سياستها الخارجية. ومنذ أن دعم الملك عبدالعزيز آل سعود الشعب الفلسطيني في ثورته ضد إقامة الدولة اليهودية وتوطين اليهود في الأراضي الفلسطينية عام 1945، استمرت السعودية بدعم القضية الفلسطينية، فطرحت مشروع السلام عام 1981 ودفعت لتبنيه عربياً خلال قمة فاس عام 1982، وفي 2002 قدم الملك عبدالله بن عبدالعزيز المبادرة العربية للسلام، وفي 2007 جمع في مكة المكرمة طرفي الأزمة الفلسطينية («فتح و«حماس») في اتفاق تاريخي عمل على وقف الاقتتال الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، إضافة إلى رفضها التام لقرار إدارة ترامب بنقل السفارة الأميركية للقدس.
بينما تشكل الدائرة الإسلامية المجال الأوسع للسياسة الخارجية السعودية، إذ منذ قيامها عملت السعودية على تسخير جهودها ومواردها خدمةً للقضايا الإسلامية، فسعت لإقامة مؤسسات إسلامية حكومية وغير حكومية، كرابطة العالم الإسلامي في عام 1962، وعقب حريق المسجد الأقصى عام 1969 عملت على تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي («منظمة التعاون الإسلامي» حالياً) واحتضنتها في مدينة جدة كأكبر تجمع إسلامي عالمي يضم 75 دولة، تجسيداً للتضامن الإسلامي وتحقيقا لمفهوم الأمن الجماعي للدول الإسلامية، من خلال تسوية المنازعات بين الدول الإسلامية بالطرق السلمية، والتضامن مع القضايا الإسلامية، ومد يد العون الاقتصادي للدول الإسلامية المحتاجة، وتقديم الإغاثة العاجلة للدول الإسلامية المنكوبة، ومناصرة المسلمين والدفاع عن قضاياهم.
وفي دائرة التأثير الدولية تتشكل السياسة الخارجية السعودية بناءً على المصالح المشتركة القائمة وتتوسع دائرة تأثيرها كانعكاس لثقلها الاقتصادي من ناحية ولمحورية دورها خليجياً وعربياً وإسلامياً. وقد أصبحت السعودية اليوم رقماً صعباً في المعادلة الدولية، إذ عملت على التصدي لظاهرة العنف والتطرف والإرهاب، داخلياً وخارجياً من خلال المبادرات الدولية المشتركة التي قامت بها مع مختلف الهيئات الدولية والإقليمية لتنسيق الجهود الدولية المعنية بمحاربة التطرف والإرهاب. كما شكلت التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في ديسمبر 2015، والذي يضم أكثر من 40 دولة.
من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التحديث حالياً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تستمر المملكة في لعب أدوارها بمسؤولية عالية وإتقان كبير.