كل تكنولوجيا تمر من عصر اكتشاف وعصر تطبيق. فخلال عصر الاكتشاف، يتم العمل الحساس والمهم في مختبرات البحوث، حيث يحقق العلماء الاختراقات التي تدفع بمجال معين إلى الأمام. أما خلال عصر التطبيق، فتبلغ التكنولوجيا مرحلة الاستخدام العملي وتبدأ في الخروج من المختبر إلى العالم.
وخلال العقد الماضي، شاهدتُ بشكل مباشر مجال الذكاء الاصطناعي وهو ينتقل من مرحلة إلى أخرى. فالثمانينيات والتسعينيات كانتا مرحلة اكتشاف الذكاء الاصطناعي، مرحلة كان لي شرف الإسهام فيها من خلال بحوثي حول «تميز الكلام» بجامعة كارنيجي ميلون وشركة آبل. ومؤخراً، شاركتُ في مرحلة التطبيق من خلال عملي كرئيس لفرع غوغل في الصين وكواحد من أوائل المستثمرين في إنترنت الأجهزة المتنقلة الصينية.
هذا الانتقال من الاكتشاف إلى التطبيق مثّل تحولًا ًمهماً في مركز ثقل الذكاء الاصطناعي، من الولايات المتحدة إلى الصين. وقد اعتمد عصر الاكتشاف بشكل كبير على قدوم الابتكار من الولايات المتحدة، التي تتفوق في البحوث المتطلعة للمستقبل والمشاريع الرائدة.
غير أن تطبيق الذكاء الاصطناعي يستخدم مجموعة مختلفة من نقاط القوة، توجد الكثير منها في الصين، من قبيل: البيانات الوفيرة، وبيئة تجارية تتميز بتنافسية شديدة، وحكومة تكيّف بشكل فعال البنى التحتية العامة مع احتياجات الذكاء الاصطناعي.
ولا شك أن البحوث المتطلعة للمستقبل ستظل مهمة للذكاء الاصطناعي، ما يعني أن الصين ما زال لديها الكثير لتتعلمه من الولايات المتحدة.
المحللون في الغرب كثيراً ما يعترفون بالمجالات التي تتفوق فيها الصين بخصوص الذكاء الاصطناعي، لكنهم يميلون إلى إساءة فهم طبيعة نقاط قوة الصين في كل واحد من تلك المجالات. والحال أن الامتياز الجوهري للصين بخصوص البيانات لا يكمن في السعة فقط (عدد المستخدمين) والوصول (كمية البيانات التي يسهم بها المستخدمون)، ولكن أيضاً في عمق البيانات بخصوص كل مستخدم.
وفضلاً عن ذلك، هناك مسألة دعم الحكومة الصينية للذكاء الاصطناعي. فوفق القصة التبسيطية التي كثيراً ما تحكى في الولايات المتحدة، فإن البيروقراطيين الصينيين في الحكومة المركزية يختارون الفائزين من بين الشركات، ويغدقون عليهم الدعم والمعونات، ثم يوفرون لها الحماية من المنافسة الخارجية. غير أن هذه الرواية تسيء فهم الكيفية التي تشجّع بها الحكومة الصينية تطبيق الذكاء الاصطناعي.
الحكومة الصينية تدرك أنه بينما ينتقل الذكاء الاصطناعي من العالم الرقمي إلى العالم المادي، سيتعين على البنى التحتية والمؤسسات العامة أن تتغير. وعبر إعلانها الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية، بعثت بكين برسالة إلى المسؤولين المحليين مؤداها أنهم سيكافَؤن عن دعمهم لهذا النوع من البنى التحتية الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
إنني على يقين بأن الصين والولايات المتحدة تستطيعان تحسين فرص نجاحهما من خلال التعلم من نقاط قوة بعضهما البعض. وفي هذا الصدد، ينبغي على الباحثين الصينيين والشركات الناشئة وشركات الذكاء الاصطناعي الصينية أن تطلق العنان لخيالها، وتضع رهاناً على المدى البعيد يمنحها فرصة لتكون رائدة في هذا المجال، بدلاً من محاولة اللحاق بالمتزعم. وعلى الشركات الأميركية أن تواكب هذه التحولات. وعلى صناع السياسات الأميركيين الانتقال من موقف المتفرج على الذكاء الاصطناعي، والسعي بدلاً من ذلك إلى تغيير البنى التحتية المادية للبلاد ومؤسساتها العامة على نحو يواكب التكنولوجيا الحديثة ويتأقلم معها بشكل أفضل.
ينشر بترتيب خاص مع «خدمة نيويورك تايمز»