كيف يمكن للمحلل السياسي الناجع أن يصف شكل العلاقة بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة؟ ثم وهذا هو الأهم: «هل هي علاقة براجماتية اعتيادية كما في بقية علاقات دول العالم، أم أنها تتجاوز القشور الخارجية إلى الجذور الداخلية، حيث اللغة والتاريخ والدين في القديم والحديث، ناهيك عن تحديات المستقبل الواحد، ما يجعلها علاقات فوق طبيعية إن جاز التعريف، غير قابلة للانفصال أو الانفصام في أي وقت؟ الشاهد أننا لو حفرنا في جذور العلاقات الثنائية بين البلدين فإننا نجد تراثاً واحداً مشتركا بين الإنسان في الرقعتين الجغرافيتين، ذلك الإنسان الذي تعلم من الصحراء الكثير جداً من خصال البداوة الطيبة كالكرم والشجاعة، وإغاثة الملهوف وتقديم العون للمحتاج، التصدي للمخاطر بغير خجل أو وجل، قوة العزيمة والصبر على المكاره.
أفضل ما في نموذج العلاقات السعودية الإماراتية هو أنه ليس نموذجاً فوقياً، بمعنى أنها ليست علاقات بين مسؤولين وحكام ورؤساء، بل ضفيرة أو سبيكة اجتماعية إنسانية بين الإماراتيين والسعوديين، علاقة جذرية بشرية، تتجاوز الوصف التقليدي لعلاقات الشعوب القائمة على المفاهيم النفعية، والمصالح المتبادلة لاسيما في زمن العولمة وتسليع الإنسان.
البحث عميقاً في التربة الإماراتية يبين لنا أن زايد الخير كان حريصاً كل الحرص ومن اللحظات الأولى لقيام الاتحاد على تعزيز أسس العلاقات المتينة مع كل الجيران وبنوع خاص مع المملكة العربية السعودية، وذلك على ركائز راسخة من الأخوة والرؤى والمواقف والتوجهات المتسقة تجاه قضايا العالم والمنطقة، الأمر الذي أكده مراراً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حين أشار إلى عمق ما يربط بين الرياض وأبوظبي من علاقات أخوية وصلبة، تستند إلى إرادة قوية ومشتركة لتحقيق مصالح البلدين، وتعزيز دورهما في تحقيق أمن المنطقة واستقرارها.
يمكننا القول إن النموذج الإماراتي- السعودي يستمد تميزه من عوامل عدة، في المقدمة منها التفكير بعزم والعمل بحزم، ما مكنهما من بلورة رؤية مشتركة للتحديات التي تواجه الدولتين، وأثمر عن استراتيجيات واعية لحماية الأمن الوطني ليس للدولتين فقط، بل لدول وشعوب مجلس التعاون والدول العربية كافة. تتجلى أهمية هذه العلاقات في الوقت الراهن من جزئية واضحة للجميع، ومن أسف وهي غياب ملامح ومعالم التنسيق العربي الجماعي، وفي وقت لم يعد العالم فيه يؤمن بالعمل الفردي بل بالتجمعات الكبرى قومية أو جغرافية، ولا نغالي إن قلنا إنه من دون هذا الثنائي المتميز لربما تعرض الأمن القومي العربي عامة، والخليجي بنوع خاص، لمخاطر جمة، لاسيما في وجود عدو لدود يعمل على إثارة الفوضى ونشرها في المنطقة وحول العالم.
فيما الأكثر أسفاً فيتصل بوجود دولة عربية بعينها كان يظن المرء أنها تعمل ولابد ضمن سياق دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها باتت شوكة في الجسدين الخليجي والعربي، وخنجراً في خاصرة الأمن والاستقرار عربياً وعالمياً، برغم ضآلة وزنها الجغرافي والديموغرافي.
ولعل التعاون الثنائي السعودي- الإماراتي بات أمراً ملحوظاً بشكل إيجابي لا على الصعد الدولية المحلية والإقليمية فحسب، وآية ذلك ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأيام القليلة الماضية، من أنه أبلغ الكونجرس بأهمية الدور الذي تقوم به الرياض وأبوظبي في اليمن، والالتزام الواضح والواحد للبلدين تجاه حماية المدنيين هناك خلال العمليات العسكرية الجارية ضد «الحوثيين»، الذراع الميليشياوية لإيران، واليد الطولى المهددة للاستقرار في المنطقة، وبخاصة بالقرب من باب المندب.
والشاهد أننا حين نقول إن شعار العلاقات الإماراتية- السعودية هو التفكير بعزم والعمل بحزم، فإن ما يجري في اليمن يدلل على وحدة التوجه الاستراتيجي بين الدولتين، والقراءة المعمقة الواحدة للمستقبل واستشرافه، وهذه ميزات لا تتوافر إلا للراسخين في العلم، الذين لديهم قدرة مستقبلية على قراءة الأزمنة والأحداث، ومقدرة واعية على استشعار الخطر، وبالتالي قطع الطريق عليه لصالح البلاد والعباد، وقبل أن يستفحل الخطر ويتعاظم شره.
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن وصف أبعاد هذه العلاقة لكن بحال من الأحوال لا يمكننا أن نغفل الإشارة إلى قوة العلاقات السعودية – الإماراتية، بوصفها صمام أمان للاقتصاد الخليجي، وقد أسهمت «خلوة العزم»، في تعزيز العلاقات التجارية، بفضل رغبة القيادة في البلدين في تطورها من خلال زيادة الاستثمارات بين القطاع الخاص في البلدين، والتنسيق المتبادل والتعاون البناء بين الأجهزة الرسمية للقطاعات لتذليل أي عقوبات.
أفضل، بل أنفع وأرفع حديث يمكن للمرء أن يختم به هذه السطور أن الشراكة بين السعودية والإمارات اليوم باتت شراكة شهداء ضحوا بحياتهم من الجانبين في معارك الشرف والكرامة حفاظاً على الحق الخليجي والعربي، ودرءاً لمخاطر الكراهية والعدوان، ونصرة للمظلومين في اليمن، وحرصاً على تماسك ذلك البلد العربي الشقيق ووحدته، والعمل على إنقاذه بما يرسخ جذور الأمن القومي العربي.
*كاتب مصري