كان لدولة الإمارات العربية المتحدة السَبْق في إنشاء وزارة التسامح عام 2016.؛ تلك الوزارة التي تسعى إلى تعزيز قيم التسامح، وهذه القيمة هي أحد الأعمدة التي ترتكز عليها أخلاقيات الإسلام، وهي كذلك كانت إحدى القيم المتأصلة في شخصية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي لم يفرِّق بين الناس على أساس الدين أو اللون، وكان يساعد جميع المحتاجين دون النظر إلى أصولهم ودينهم وأصلهم العرقي، وكان بمثابة والد لجميع الإماراتيين والمغتربين في الدولة.
وتوارثت الأجيال في دولة الإمارات قيم التسامح التي أصبحت سمة متأصلة لدى أبناء الوطن وباتت ثقافة مجتمعية. وكُللت هذه الجهود بتأسيس وزارة التسامح التي تهدف إلى نشر وتعزيز هذه القيمة الأخلاقية بين الجاليات الغربية والآسيوية التي تعيش في دولة الإمارات، التي تستضيف أكثر من 200 جنسية. وقد تبنت دولة الإمارات مأسسة قيمة التسامح في ظل أزمات يعيشها الوطن العربي، ولتكون دولة الإمارات مثلاً يحتذى به من قبل الدول الأخرى، ويرسخ دستور دولة الإمارات هذه القيمة.
ولم تتوقف الدولة عند رفع شعار التسامح، حيث قامت بفرض قوانين لتجريم الكراهية والنعرات الطائفية والتمييز العنصري وخطاب الكراهية، كما فرضت قوانين صارمة ضد تلك التصرفات التي تزعزع الاستقرار في المجتمع بمختلف طوائفه، وتسيء لسمعة الدولة في الداخل والخارج. فالصورة الأخلاقيَّة والواقعيَّة للتَّسامح تنعكس على الدول من حيث تقدُّمها وتطوّرها. والجدير بالذكر أن دولة الإمارات فرضت مادة الأخلاق في المراحل التعليمية الإلزامية، لتعزيز هذه القيمة الأخلاقية، وتجعلها منهجاً ينشأ عليها في الفرد.
وتتجلَّى قيمةُ التَّسامح في الإسلامِ من خلالِ تُرسِّخُ مبادئ الاعترافِ بالآخرِ واحترامِ المعتقداتِ والاختلافات مهما تنوَّعت. ويجسد «بيت العود العربي» أجواء التسامح والمحبة والسلام في دولة الإمارات، حيث يغرس بيت العود العربي ثقافة الموسيقى العربية الأصيلة في نفوس أبناء الدولة من المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة معاً. وهناك عشرات الجنسيات بمختلف طوائفهم يجمع بينهم تناغم الآلات الموسيقية في «بيت العود العربي». ويُقدم «بيت العود العربي» دروساً للطلبة؛ يتدربون فيها بشكل جماعي على آلات مختلفة كالعود والتشلوا، والقانون والقيثارة والربابة. ويشارك جميع الأهل والأصدقاء والمتذوقين للفن والموسيقى، وعلى رأسهم الدكتور نصير شمه في فرحة الخريجين من «بيت العود العربي»، فتجد قمة التسامح وقبول الآخر تتجلى في أرجاء «بيت العود»؛ فهو البيت الثاني لجميع العازفين والمتذوقين للموسيقى سواء كانوا إماراتيين أو مقيمين، والذي ينشدونه للابتعاد عن همومهم وضغوط الحياة إلى البيت الذي يجمع بين جنباته جنسيات وديانات ومعتقدات مختلفة.
نجحت الموسيقى في ما لم تستطع السياسة تحقيقه، فقد نجحت في تقريب الشعوب ورفض الفكر الذي يقوم على محاربة الرأي الآخر ورفض وجوده. ويجب على الحكومات في العالم العربي أن تتبنى قيمة التسامح، وتجعلها منهجاً تسير عليه الدول وترسخها في قوانينها ودساتيرها. وهنا دعوة إلى اتباع نهج دولة الإمارات العربية المتحدة في تبني سياسات تقوم على التسامح للتقريب بين الشعوب. واختم هذه المقالة بقول الله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (12، سورة الحجرات) والتي يدعو فيها جميع الناس ذكوراً و إناثاً باختلاف أجناسهم ومللهم ومعتقداتهم ودون تحديد ملة أو طائفة بالتعارف والاندماج في المجتمع، وهذا ما تنتهجه دولة الإمارات في التعامل مع الجنسيات المختلفة في الدولة.
د. نورة صابر بن عبلان المزروعي*
*باحثة وكاتبة وأستاذ مساعد بأكاديمية الإمارات الدبلوماسية