يتوفى سنوياً قرابة السبعة والخمسين مليون شخص، أكثر من نصفهم نتيجة قائمة من عشرة أمراض. ويحتل حالياً رأس هذه القائمة أمراض القلب والشرايين، وخصوصاً قصور وانسداد الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب، والسكتة الدماغية الناتجة أيضاً عن قصور وانسداد شرايين المخ، أو النزيف داخل المخ. وخلال الخمسة عشر عاماً الماضية، ظل هذان المرضان يحتلان دون منازع رأس تلك القائمة، حيث يتسببا معاً في أكثر من 15 مليون وفاة سنوياً.
المرتبة الثانية على هذه القائمة السوداء، يتربع عليها حالياً مجموعة الأمراض السرطانية، والتي حسب تقرير صدر مؤخراً عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، تشهد زيادة مضطردة في عدد حالات الإصابة الجديدة وفي عدد الضحايا والوفيات. فعلى صعيد حالات الإصابة ارتفع العدد من 14.1 مليون حالة سنوياً عام 2012 إلى 18.1 مليون حالة سنوياً حالياً، وعلى صعيد الوفيات السنوية، ارتفع عدد الضحايا من 8.2 مليون وفاة عام 2012 إلى 9.6 مليون وفاة حالياً. وهو ما يعني أن واحداً من كل خمسة من الرجال، وواحدة من كل ست من النساء، سيصاب بالسرطان خلال رحلة حياته. وعلى حسب التقرير، يتسبب سرطان الرئة، وسرطان الثدي، وسرطان القولون، في ثلث إجمالي حالات الإصابة وثلث إجمالي الوفيات.
ولا يمكن رد هذه الزيادة في معدلات الإصابة والوفيات بالأمراض السرطانية إلى سبب واحد، بل في الغالب تعود هذه الظاهرة إلى عدة أسباب متشابكة ومتداخلة مع بعضها البعض. فبداية، هناك الزيادة الملحوظة في متوسط أعمار البشر أو ما يعرف بمؤمل الحياة، خلال العقود والسنوات الأخيرة. والمعروف أن الأمراض السرطانية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمر، فكلما زاد العمر،زادت احتمالات الإصابة بالسرطان. وإن كان هذا لا يعني أن الأطفال لا يصابون بالسرطان، أو أن الإصابة بالسرطان حتمية في مرحلة الشيخوخة.
السبب الآخر الذي يساهم في تفسير هذه الظاهرة، هو ارتفاع مستوى وكفاءة الرعاية الصحية في العديد من دول العالم، خلال العقود والسنوات الماضية أيضاً. وهو ما أدى بالضرورة إلى زيادة في التشخيص، وفي كفاءة تسجيل أسباب الوفيات من قبل الجهات الصحية. هذا بالإضافة إلى أن سبل وجهود جمع البيانات والمعلومات عن الأمراض السرطانية، شهدت هي الأخرى تطوراً هائلاً على صعيد المصادر المتاحة، ومنهجية العمل، ومدى نطاق الشراكة والتنسيق والتعاون بين الجهات الصحية في مختلف دول العالم. فعلى سبيل المثال، تقوم الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (The International Agency for Research on Cancer)، وهي جزء من منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، بجمع البيانات والمعلومات والإحصاءات عن 36 نوعاً مختلفاً من السرطان، من 185 دولة حول العالم.
وبخلاف ارتفاع متوسط أو مؤمل الحياة البشرية، وتطور وارتقاء نظم الرعاية الصحية، وزيادة كفاءة جمع وتحليل البيانات، تتجه أصابع الاتهام إلى التغير الملحوظ في نمط أو أسلوب الحياة الشخصية لأفراد الجنس البشري في العصر الحديث، وخصوصاً على صعيد أعداد المدخنين، وانتشار زيادة الوزن والسمنة إلى درجة أصبحت توصف بالوباء العالمي، كأحد أهم الأسباب خلف الزيادة المستمرة في عدد ضحايا الأمراض السرطانية.
فبداية مثلاً، يعتبر سرطان الرئة الناتج بشكل رئيس عن تدخين منتجات التبغ من أكثر الأمراض السرطانية خبثاً وفتكاً على الإطلاق، حيث يتسبب في وفاة الملايين سنوياً. وإذا ما دققنا النظر في الوباء العالمي من زيادة الوزن والسمنة، وخصوصا الناتجين عن نوعية الغذاء، وقلة النشاط البدني وعدم ممارسة الرياضة، فيقدر حالياً مسؤوليته عن 30 إلى 35 في المئة، أي الثلث تقريباً من حالات الإصابة بالسرطان، وهو ما يعادل تقريباً مسؤولية التدخين.
ولا يمكن بالطبع الحديث عن زيادة في عدد حالات الإصابة بالأمراض السرطانية، دون ذكر أشكال التلوث المتعددة التي أصبح إنسان العصر الحديث يحيا تحت سحابتها، ويستنشق هواءها طوال يومه. فالتلوث، وخصوصاً الكيميائي منه، والهرموني، والإشعاعي، يرتبط جميعهم بزيادة احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية. وإذا ما كان لا حيلة لنا أمام ارتباط احتمالات الإصابة بالسرطان بالتقدم في العمر، أو إذا ما كان هناك أسباب جينية في تركيبتنا الوراثية، إلا أنه من الواضح والمؤكد أننا قادرون على تغيير نمط الحياة والعادات الشخصية التي قد تزيد من احتمالات الإصابة، وأننا قادرون على تنقية وتطهير بيئة حياتنا من أسباب التلوث، إذا ما كان لنا أن نحقق قدراً أكبر من الوقاية ضد مجموعة من الأمراض، تحتل حالياً المرتبة الثانية على قائمة أسباب الوفيات البشرية.