قد يبدو أمراً بعيد الاحتمال، لكن السجل يظهر أن مستشار السياسة الخارجية الأكثر فاعلية للرئيس دونالد ترامب منذ انتخابه هو باراك أوباما. ففي اجتماعهم الوحيد في 10 نوفمبر 2016، استطاع أوباما أن يجعل ترامب يركز على أهم مشكلة أمن قومي كانت تواجه البلاد آنذاك: سباق كوريا الشمالية لتطوير أسلحة نووية قادرة على ضرب الولايات المتحدة القارية. وبدأ ترامب رئاسته بحملة فعالة نسبياً، وإن كانت غير منتظمة، لزيادة الضغط على نظام كين جونج أون، الذي استجاب في النهاية بتعليق تجاربه النووية والصاروخية وعرض التفاوض. ولسوء الحظ، لم يكن أداء ترامب غير المؤهل والمسرف في الثقة بنفسه جيداً خلال اجتماع القمة مع كيم، ما جعل الديكتاتور يعتقد أن الولايات المتحدة ستقدم تنازلات غير عادية من جانب واحد؛ وعندما لم يحدث هذا، توقفت العملية. والآن يسعى كيم لعقد اجتماع آخر مع ترامب، دون شك أملا في  الحصول منه على ما لم يتمكن من الحصول عليه من وزير الخارجية مايك بومبيو أو أي مفاوض أميركي معقول.
وفي الوقت نفسه، اختفت العقلانية التي استطاع أوباما أن يحفزها – جهود ترامب المتسقة لمعالجة المشكلة الدولية الأكثر إلحاحاً التي تواجه الولايات المتحدة. والآن فإن السياسة الخارجية للإدارة في حالة من الفوضى العارمة من المبادرات الارتجالية، بعضها يستهدف مشاكل حقيقية والبعض الآخر ليس كذلك. والتحديات الكبيرة التي من المفترض أن تشغل البيت الأبيض في الأحوال العادية –مثل أزمة اللاجئين التاريخية في أميركا اللاتينية الناجمة عن الانفجار الداخلي في فنزويلا، أو حملة الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيش ميانمار ضد أقلية الروهينجا –يتم تجاهلها تماما. الحرب الباردة مع كندا، تحتل مركز الصدارة.
ويصور كتاب «بوب وودوارد» الجديد كبار مستشاري ترامب الذين يعملون على إنقاذ البلاد من أسوأ أفكاره، أحيانا من خلال انتزاع أوراق من مكتبه. والمساعدون الذين قاموا بنزع الأوراق –جاري كوهن وريكس تيلرسون وإتش آر ماكماستر – رحلوا في الغالب وتم استبدالهم بطاقم جديد يسمح لترامب بالانغماس في أقوى تدابيره السياسية. لذلك، فنحن لدينا حروب تجارية مدفوعة بعدم معرفة المبادئ الأولية للاقتصاد وحملات انتقامية لمعاقبة الحلفاء المقربين –مثل رئيس وزراء كندا جاستن ترودو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل – بسبب مشاعر استياء.
والجانب الإيجابي هو أن بومبيو ووزير الدفاع جيم ماتيس مسموح لهما، في الوقت الحالي، بمتابعة بعض السياسات المعقولة والطبيعية نسبيا والتي تتناقض مع ما يريده ترامب. ففي أفغانستان، حيث يبذل ماتيس ما بوسعه للحيلولة دون انهيار حكومة كابول، بينما يسعى ماتيس للانفتاح مع طالبان، أو في سوريا، حيث يبقي ماتيس على نشر قوات أميركية في زاويتين استراتيجيتين من البلاد، بينما يحاول بومبيو إحياء عملية دبلوماسية، نجد أن إدارة ترامب إلى حد كبير تفعل ما كانت هيلاري كلينتون ستقوم به. والمشكلة الوحيدة هي أن ترامب يمكنه إعادة تأكيد نفسه في أي وقت وسحب القابس.
وهذا يجعل عمل فريق ترامب للأمن القومي يبدو مملا، ولا شك أنه كذلك. لكن هناك مزايا: فعلى العكس من الإدارات الأخرى، يستطيع «مسؤولون بارزون» مجهولون متابعة قضاياهم الخاصة. وقد يعني هذا كتابة مقال افتتاحي لتبرير الذات لصحيفة "نيويورك تايمز" كادعاء مسبق بشأن تبرئة مستقبلية، أو قد يعني متابعة هواجسهم الأيديولوجية الشخصية واستراتيجياتهم المجنونة طويلة الأجل، والتي لم يتم التحقق منها بوساطة عملية صنع السياسة العادية.
وقد رأينا مثالين على ذلك في الأسبوعين الأخيرين. الأول جاء هجوم على الحركة الفلسطينية، مع إلغاء التمويل الأميركي للمدارس والعيادات الصحية التي تديرها الأمم المتحدة في قطاع غزة وكذلك المستشفيات في القدس الشرقية التي يقطنها العرب. وصدر أمر بإغلاق مكتب واشنطن الخاص بالفلسطينيين. وعلى ما يبدو، فإن جاريد كوشنر وجيسون جرينبلات، المطورين العقاريين اللذين تحولا إلى وسطاء لعملية السلام في الشرق الأوسط، يعتقدان أن الضغط على الفلسطينيين سيحثهم على أن يكونوا أكثر منطقية، مثل المتعاقدين من الباطن. يقول المخضرمون في دبلوماسية الشرق الأوسط إن النتائج العكسية هي الأكثر احتمالا -لكن الإيجابيات مستبعدة من هذه المبادرة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»