ليس بخافٍ على متابع حالة الانفتاح والتطور التاريخي المشهود في المملكة العربية السعودية التي اتخذت منحاً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، وذلك في إطار التوجه الجديد لخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، في كافة المناحي الاقتصادية والسياسية والدينية.
إذ يعتبر المجال الديني من أهم المجالات وأخطرها لأنها تهتم أولاً بضمان الأمن الروحي والفكري للمسلمين شعوباً وتجمعات ودولاً، خصوصاً بعد اختطاف الإسلام من طرف الجماعات المتطرفة والمقاتلة واحتلالها للعراق وجزء من سوريا.
ومما زاد الأمر خطورة أكثر عندما نقلت هذه الجماعات أعمالها الإرهابية إلى دول أخرى كمصر وليبيا واليمن وعواصم غربية كباريس وبروكسيل، الأمر الذي فرض على القيادات الروحية خاصة، أن تقوم بدورها الرسالي في توضيح معالم الدين الإسلامي الحنيف الداعية إلى الخير والتعايش السلمي لتحصين أبناء المسلمين من تيارات العنف والتطرف، وإعادة الثقة بين مختلف مكونات المجتمعات الغربية، خاصة التي شهدت توترات بسبب إجرام جماعات القتال والتوظيف السياسي للإسلام والوجود الإسلامي بها.
في هذه الأجواء أقدمت القيادة السياسية بالمملكة العربية السعودية على تعيين أحد رجالاتها الشيخ الدكتور محمد عبدالكريم العيسى على رأس «رابطة العالم الإسلامي»، الفضاء الأمثل للقيام بتنفيذ سياسة الاعتدال والانفتاح على الآخر.
الدكتور العيسى، وزير العدل السعودي السابق، منذ توليه مسؤولية الرابطة استطاع أن يجعل منها مؤسسة لتعزيز قيم التسامح والوسطية ودعم الجهود المبذولة لمواجهة التطرف والإرهاب، وترسيخ الإخاء الإنساني، والتسامح الإسلامي كجزء من رؤية ولي عهد المملكة في تأصيل مبادئ الاعتدال الديني في مواجهة أيديولوجية التطرف وجماعاته، ودعم المجتمعات المسلمة للقيام بدورها الحضاري في بلدانها وتحقيق اندماجها في مجتمعاتها للحفاظ عليها، وتفعيل مشاركتها من أجل وحدة بلدانها وسلامة أمنها.
لقد استطاع الدكتور العيسى أن يكون واجهة أمينة تقود واحداً من الملفات المهمة في المملكة العربية السعودية تجسيداً للإرادة الملكية، لكي تصبح المملكة منصة عالمية في محاربة التطرف والإرهاب، فضلاً عن تحسين الوعي الإسلامي حول العالم ونشر قيمه السمحة، وكذا العمل بكل قوة على تأسيس راسخ يعكس قيم ديننا الحنيف.
رؤية المملكة بأن الإسلام برحمته الواسعة والشاملة وتجربته الحضارية الفريدة ومرونته المشروعة، ينسجم زماناً ومكاناً ويتعايش ويتعاون مع الجميع بشهادةِ واقعاتِ التاريخِ الموثقة- لا المنتحلة- على الإسلام والمسلمين، وهو الإيمان الذي أسس لحركة العيسى المكوكية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً لإبراز تلك الصورة المضيئة لديننا الحنيف، وليقوم بتلك المهام عن إيمان راسخ ويقين بسعة ورحابة هذا الدين، مدعوماً بإلحاح التجمعات المسلمة وحكوماتها إلى من يقوم بتصحيح الصورة المغلوطة وتحقيق التعايش المأمول وتعميم وسطية الإسلام الذي هو أصل من ثوابت هذا الدين، الذي ما خير نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، فيه بين أمرين إلا واختار أيسرهما.
لقد استطاعت جماعات الإسلام السياسي، منذ عقود كثيرة، أن تشتغل على أبناء المجتمعات المسلمة وتوظيفهم في تنفيذ مشاريعها الداعية إلى الانتحار الحضاري من خلال تبنيها لمشروع أسلمة المجتمعات وحتمية المواجهة بين قوى الخير الحاملة لمشروعها الإنقاذي وبين قوى الشر التي ترفض الاهتداء بحكم الله، على حسب قولها.
مقاومة هذا المشروع الفكري، بل العقائدي، يتطلب ترسيخ الوعي أولاً لدى أولي الأمر بأن المعركة هي فكرية وأمنية في نفس الوقت، وبضرورة مواجهتها بآلياتٍ تضمن نجاحها، وثانياً إطلاق مبادرات مع أناس لديهم العلم الأصيل والحكمة البليغة والتجربة الكبيرة في إدارة ملف أزمة أمة لم تشهد من قبل أزمة مثلها حتى أصبح فيها الحليم حيران، وثالثاً بحتمية التنسيق مع كل الجهات الإسلامية التي تعمل على النهوض بالأداء الوظيفي لمؤسسات الوعي والتحصين الإسلاميين لمسلمي العالم. مشروع حضاري كبير ظهرت الحاجة الماسة إليه ليواكب التحالف الإسلامي ضد الإرهاب. فهل يستطيع العيسى أن يحقق ما لم تستطع كثير من المبادرات الدولية تحقيقه في محاولتها احتواء ظاهرة تفشي القابلية للقتال وترخيص أرواح الأبرياء، والنجاح في تبني مشروعات الخلاص من أفكار الانتحار الحضاري وصناعة الموت؟
وهل يمكن تحقيق تنسيق العمل الإسلامي المشترك من أجل الدعوة إلى السلم والأمن الروحي والفكري؟
فما أحوج أمتنا في هذا الزمان لمثل هذه المبادرات: سلامة الأبدان، أمن الأوطان وإعمار الكون دونما إفراط ولا تفريط.