قبل عقد من الزمان، اعترف زعيم إرهابي عراقي أسير للمحققين الأميركيين بكل شيء عن كيفية عمل الميليشيات الشيعية مع إيران و«حزب الله»، ومع بعضها البعض لمهاجمة الجنود الأميركيين في العراق. والآن، حيث إن هذا الشخص يستعد لتبوء منصب سياسي مهم في العراق، فقد تم الإفراج للمرة الأولى عن تفاصيل التحقيقات التي أجريت معه. من المعروف منذ زمن طويل أن «قيس الخزعلي»، وهو زعيم جماعة «عصائب أهل الحق»، كانت له صلات وثيقة بإيران و«حزب الله» فيما كان يشن حربه الطويلة ضد القوات الأميركية في العراق. لكن الكيفية التي تعامل بها مع الأميركيين الذين احتجزوه في عام 2007 – وتخليه عن مموليه الإيرانيين ومعاداته لحلفائه من الميليشيات الشيعية – كانت أمراً صادماً. وقد قامت القيادة المركزية الأميركية مؤخراً بالكشف عن العشرات من تقارير التحقيقات مع الخزعلي في إطار مشروع لتوثيق تاريخ حرب العراق، وقام معهد أميركان انتربرايز بنشرها كلها على موقعه الإلكتروني. وقال «كينيث بولاك»، دارس مقيم بالمعهد «اقرأوا هذه التقارير وستعرفون مدى شراسة الإرهابي قيس الخزعلي، وكيف كان منخرطاً في شبكة سرية مناهضة لأميركا، وكم الدماء الأميركية التي أهدرها، وبعد ذلك ستدركون أن هذا الرجل ربما يكون على وشك أن يصبح وزيراً في الحكومة العراقية. وهذا سيجعلكم ترون مدى تراجع العراق، ومدى سوء تعاملنا مع العراق في السنوات الأخيرة».

وقد أصبحت جرائم الخزعلي السابقة حديثة الصلة لأنه يبرز كلاعب حاسم في التشكيل الجاري للحكومة العراقية الجديدة. وبطريقة أو بأخرى، استحوذت جماعته «عصائب أهل الحق» على 15 مقعداً في البرلمان العراقي بعد انتخابات مايو التي رأى العديد من المراقبين أنها تعج بالتزوير والترهيب. وسيجلس الخزعلي الآن في البرلمان العراقي. وربما حتى يتولى منصباً قيادياً في الحكومة عما قريب.
كما أن تعاون الخزعلي مع إيران و«حزب الله» ما زال مستمراً.. وفي فبراير هدد بالقيام بممارسات عنيفة ضد القوات الأميركية في العراق. وفي مايو، مرر مجلس النواب تشريعاً يجيز للرئيس ترامب فرض عقوبات على «عصائب أهل الحق»، بيد أن إدارة ترامب لم تستخدم سلطتها في فرض عقوبات –في إطار فشلها العام في السيطرة على الميليشيات الشيعية ونفوذها الخبيث في العراق.
لقد أصر مسؤولو ترامب على أنهم سيضغطون على إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بحيث لا يستطيع الإيرانيون تهديد حلفاء أميركا أو مواطنيها – وهو أمر كانوا يفعلونه لسنوات دون عقاب. وبعد أيام من قيام القوات الأميركية بأسره في 2007، بدأ الخزعلي في البوح بمعلومات عن أنشطة إيران في العراق، وتداعيات خلافه مع رئيسه السابق مقتدى الصدر، وتفاصيل تنظيم الميليشيات الشيعية الأخرى في العراق في ذلك الوقت، وكذلك تفاصيل تمويلها وتنسيق هجماتها على الأميركيين. وقدم الخزعلي معلومات مفصلة عن تمويل إيران للميليشيات الشيعية وأعمال العنف في العراق، بما في ذلك إنتاج إيران وتوزيعها للمقذوفات، والتي تسببت في مقتل مئات الأميركيين. ووصف رحلاته المتعددة إلى طهران بعد سقوط صدام حسين في 2003 لوضع خطط تمويل وتدريب سرية. وذكر الخزعلي تفاصيل اجتماعاته مع الزعيم الإيراني آنذاك على أكبر هاشمي رافسنجاني وآية الله علي خامنئي وقائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري في العراق اللواء قاسم سليماني.
واعترف الخزعلي بقتل أميركيين. فقد تم خطف خمسة جنود أميركيين، ومن ثم قتلهم، عندما قام أعضاء من الميليشيات يرتدون الزي العسكري الأميركي بمهاجمة مركز تنسيق أميركي – عراقي في مدينة كربلاء الشيعية عام 2007. كما اعترف بدور جماعة عصائب أهل الحق في شن العديد من الهجمات القاتلة الأخرى على قوات التحالف.
كانت معظم المعلومات الاستخباراتية التي أدلى بها الخزعلي تتعلق بمقتدى الصدر ومنظمته. بيد أنه أيضاً أعطى المحققين معلومات مثيرة حول ميليشيات تدعمها إيران، بما فيها جيش المهدي ومنظمة بدر.
لقد أفرجت الولايات المتحدة عن الخزعلي عام 2009 في تبادل للأسرى. وفي 2014، استولى تنظيم «داعش» على مساحات شاسعة من العراق وهدد بالزحف إلى بغداد. وفي غياب دعم القوات الأميركية، تحولت الحكومة العراقية إلى الميليشيات المدعومة من إيران بما فيها «عصائب أهل الحق». والآن، بعد مرور أربع سنوات، أصبحت هذه الميليشيات وقادتها على استعداد للاستفادة سياسياً. فما الذي يمكن للولايات المتحدة فعله حيال ذلك الآن؟ ربما لا شيء في العراق. لكن عودة خزعلي إلى الصدارة ليست مجرد قضية عراقية. فهو لاعب رئيسي في المشروع الإيراني لإخضاع سوريا وإحباط الولايات المتحدة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»