ليس بالخفي على أحد أهمية تأثير الظروف البيئية على صحة الإنسان، وعلى نموه وتطوره. فوفقاً لآخر تقديرات منظمة الصحة العالمية حول حجم العبء المرضي الناتج عن الظروف البيئية، يُعتقد أن 12.6 مليون شخص يلقون حتفهم سنوياً، أو ما يعادل تقريباً ربع الوفيات البشرية السنوية، نتيجة ظروف بيئية سلبية، كان من الممكن الوقاية منها، ومنع الوفيات الناتجة عنها.
وبخلاف ملايين الوفيات تلك، تتسبب عوامل الخطر البيئية، وخصوصاً تأثير التلوث الهوائي على الأمراض المزمنة غير المعدية، في زيادة واضحة ومطردة في نفقات الرعاية الصحية في غالبية دول العالم، وهي النفقات التي تستهلك حالياً 10 في المئة من مجمل الناتج الاقتصادي العالمي. هذا بالإضافة إلى أنه على حسب تقدير منظمة الصحة العالمية سابق الذكر، تتحمل الفئات المجتمعية الأضعف، والفئات العمرية الأصغر، في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، العبء الأكبر من الآثار الصحية للظروف البيئية السلبية.
ومما لا شك فيه أن هذا الثمن الإنساني والاقتصادي الفادح، يعتبر غير مقبول في الوقت الذي أصبحنا، وبشكل غير مسبوق، نمتلك المعرفة والفهم للكيفية والسبل التي تؤثر بها التغيرات المناخية والبيئية على صحة الإنسان. كما أننا أصبحنا على دراية تامة بالقطاعات الاقتصادية التي يمكن، إذا ما تم تغيير سياستها وآليات عملها من خلال تدخلات محددة، أن نجني الحصاد الأكبر على صعيد اقتلاع جذور الأمراض الناتجة عن العوامل البيئية السلبية. ومن أهم هذه القطاعات قطاع إنتاج واستهلاك الطاقة، وقطاع النقل والمواصلات، والقطاع الزراعي.. مع الإدراك التام أيضاً بأن مثل تلك التدخلات ستترك الوقع الأعمق لها إذا ما طبقت في بيئات بشرية معتادة، مثل المدن، وأماكن العمل، وأماكن السكن والمعيشة.
وعلى سبيل المثال، يمكن للتغيرات في سياسات وممارسات قطاع الطاقة أن تزيد من مدى وحجم المتوفر من مصادر الطاقة النظيفة للاستخدامات المنزلية المعتادة، مثل الطهي، والتدفئة، والإضاءة.. في الدول متوسطة الدخل ومنخفضة الدخل، وهو ما من شأنه أن يمنع 3.5 مليون وفاة سنوياً، تعود أسبابها إلى تعرض أفراد الأسرة - وخصوصاً الأطفال- إلى الهواء الملوث بسبب استخدام مصادر طاقة غير نظيفة للطهي والتدفئة. كما أننا أصبحنا على دراية تامة بالفوائد الجمة على الصعيد الصحي، والبيئي، والاقتصادي التي ستجنى من تحقيق مقاربة تكاملية بين التخطيط السليم وبين سياسات التنمية طويلة الأمد.
وتحمل هذه الحقيقة صدى خاصاً في المدن، والتي يقطنها حالياً أكثر من 4 مليارات إنسان، وهو ما يزيد على نصف تعداد أفراد الجنس البشري حالياً. حيث يتعرض سكان المدن على وجه الخصوص لتهديدات بيئية فريدة، كتلك الناتجة عن نقص أماكن السكن والمعيشة المناسبة، أو سبل المواصلات، أو نقص مياه الشرب النظيفة، وشبكات الصرف الصحي الحديثة، أو سبل التخلص من القمامة بطرق سليمة.
وحالياً يتنفس 90 في المئة من سكان المدن هواءً لا يرقى إلى معايير منظمة الصحة العالمية حول الحد الأقصى من المحتوى من الغازات الضارة والمواد الملوثة. وبما أن التوقعات تشير إلى أن السواد الأعظم من النمو السكاني المستقبلي سيتم في المدن، فإنه لا بد أن يتم تصميم وتخطيط الامتداد العمراني بشكل يجعل من هذه المدن مركزاً للصحة والسلامة والرفاهية، حيث يفترض أن تكون سياسات وخطط قطاعات اقتصادية محددة، مثل قطاعات الطاقة، والتخطيط العمراني، والنقل والمواصلات، والبنية التحتية.. متضمنةً أهدافاً صحيةً وبيئيةً واضحةً وقابلةً للتحقق.
وليس بالخفي على أحد أن إدارة المخاطر البيئية على الصحة، تشكل في الوقت الحالي تحدياً غير مسبوق، نتيجة تغير طبيعة عوامل الخطر البيئية، ومصادرها، وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة؛ حيث تواجه بعض الدول خليطاً من التحديات البيئية والصحية، قديمة وجديدة معاً. فكثيراً ما لا تتوفر للطبقات الفقيرة مياه شرب نظيفة، أو مصادر طاقة نظيفة، أو نظام صرف صحي حديث.. وفي نفس الوقت يزداد تعرض أفراد هذه الطبقات إلى المواد الكيميائية الملوثة، وللإشعاع، ولتلوث الهواء، بالإضافة إلى مخاطر مهنية جديدة ومعقدة. ومما يزيد الطين بلة، أنه في بعض هذه الدول، تتسبب الصراعات المسلحة والكوارث الطبيعية في زيادة تعقيد الموقف وفي تضخيم حجم التحديات البيئية والصحية. وهو ما يتطلب بالضرورة، مقاربة مختلفة في مواجهة تلك التحديات، إذا ما كان لنا أن نخفف من وقع عوامل الخطر البيئية على صحة أفراد المجتمع، وأن نخفض من ملايين الوفيات السنوية الناتجة عنها.
نحو مدن صحية وخالية من التلوث
د. أكمل عبدالحكيم
الفقراء نادراً ما يتوفرون على مياه شرب وطاقة نظيفة وصرف صحي.. ويزداد تعرضهم للملوثات وللمخاطر المهنية الجديدة
------------------------
ليس بالخفي على أحد أهمية تأثير الظروف البيئية على صحة الإنسان، وعلى نموه وتطوره. فوفقاً لآخر تقديرات منظمة الصحة العالمية حول حجم العبء المرضي الناتج عن الظروف البيئية، يُعتقد أن 12.6 مليون شخص يلقون حتفهم سنوياً، أو ما يعادل تقريباً ربع الوفيات البشرية السنوية، نتيجة ظروف بيئية سلبية، كان من الممكن الوقاية منها، ومنع الوفيات الناتجة عنها.
وبخلاف ملايين الوفيات تلك، تتسبب عوامل الخطر البيئية، وخصوصاً تأثير التلوث الهوائي على الأمراض المزمنة غير المعدية، في زيادة واضحة ومطردة في نفقات الرعاية الصحية في غالبية دول العالم، وهي النفقات التي تستهلك حالياً 10 في المئة من مجمل الناتج الاقتصادي العالمي. هذا بالإضافة إلى أنه على حسب تقدير منظمة الصحة العالمية سابق الذكر، تتحمل الفئات المجتمعية الأضعف، والفئات العمرية الأصغر، في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، العبء الأكبر من الآثار الصحية للظروف البيئية السلبية.
ومما لا شك فيه أن هذا الثمن الإنساني والاقتصادي الفادح، يعتبر غير مقبول في الوقت الذي أصبحنا، وبشكل غير مسبوق، نمتلك المعرفة والفهم للكيفية والسبل التي تؤثر بها التغيرات المناخية والبيئية على صحة الإنسان. كما أننا أصبحنا على دراية تامة بالقطاعات الاقتصادية التي يمكن، إذا ما تم تغيير سياستها وآليات عملها من خلال تدخلات محددة، أن نجني الحصاد الأكبر على صعيد اقتلاع جذور الأمراض الناتجة عن العوامل البيئية السلبية. ومن أهم هذه القطاعات قطاع إنتاج واستهلاك الطاقة، وقطاع النقل والمواصلات، والقطاع الزراعي.. مع الإدراك التام أيضاً بأن مثل تلك التدخلات ستترك الوقع الأعمق لها إذا ما طبقت في بيئات بشرية معتادة، مثل المدن، وأماكن العمل، وأماكن السكن والمعيشة.
وعلى سبيل المثال، يمكن للتغيرات في سياسات وممارسات قطاع الطاقة أن تزيد من مدى وحجم المتوفر من مصادر الطاقة النظيفة للاستخدامات المنزلية المعتادة، مثل الطهي، والتدفئة، والإضاءة.. في الدول متوسطة الدخل ومنخفضة الدخل، وهو ما من شأنه أن يمنع 3.5 مليون وفاة سنوياً، تعود أسبابها إلى تعرض أفراد الأسرة - وخصوصاً الأطفال- إلى الهواء الملوث بسبب استخدام مصادر طاقة غير نظيفة للطهي والتدفئة. كما أننا أصبحنا على دراية تامة بالفوائد الجمة على الصعيد الصحي، والبيئي، والاقتصادي التي ستجنى من تحقيق مقاربة تكاملية بين التخطيط السليم وبين سياسات التنمية طويلة الأمد.
وتحمل هذه الحقيقة صدى خاصاً في المدن، والتي يقطنها حالياً أكثر من 4 مليارات إنسان، وهو ما يزيد على نصف تعداد أفراد الجنس البشري حالياً. حيث يتعرض سكان المدن على وجه الخصوص لتهديدات بيئية فريدة، كتلك الناتجة عن نقص أماكن السكن والمعيشة المناسبة، أو سبل المواصلات، أو نقص مياه الشرب النظيفة، وشبكات الصرف الصحي الحديثة، أو سبل التخلص من القمامة بطرق سليمة.
وحالياً يتنفس 90 في المئة من سكان المدن هواءً لا يرقى إلى معايير منظمة الصحة العالمية حول الحد الأقصى من المحتوى من الغازات الضارة والمواد الملوثة. وبما أن التوقعات تشير إلى أن السواد الأعظم من النمو السكاني المستقبلي سيتم في المدن، فإنه لا بد أن يتم تصميم وتخطيط الامتداد العمراني بشكل يجعل من هذه المدن مركزاً للصحة والسلامة والرفاهية، حيث يفترض أن تكون سياسات وخطط قطاعات اقتصادية محددة، مثل قطاعات الطاقة، والتخطيط العمراني، والنقل والمواصلات، والبنية التحتية.. متضمنةً أهدافاً صحيةً وبيئيةً واضحةً وقابلةً للتحقق.
وليس بالخفي على أحد أن إدارة المخاطر البيئية على الصحة، تشكل في الوقت الحالي تحدياً غير مسبوق، نتيجة تغير طبيعة عوامل الخطر البيئية، ومصادرها، وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة؛ حيث تواجه بعض الدول خليطاً من التحديات البيئية والصحية، قديمة وجديدة معاً. فكثيراً ما لا تتوفر للطبقات الفقيرة مياه شرب نظيفة، أو مصادر طاقة نظيفة، أو نظام صرف صحي حديث.. وفي نفس الوقت يزداد تعرض أفراد هذه الطبقات إلى المواد الكيميائية الملوثة، وللإشعاع، ولتلوث الهواء، بالإضافة إلى مخاطر مهنية جديدة ومعقدة. ومما يزيد الطين بلة، أنه في بعض هذه الدول، تتسبب الصراعات المسلحة والكوارث الطبيعية في زيادة تعقيد الموقف وفي تضخيم حجم التحديات البيئية والصحية. وهو ما يتطلب بالضرورة، مقاربة مختلفة في مواجهة تلك التحديات، إذا ما كان لنا أن نخفف من وقع عوامل الخطر البيئية على صحة أفراد المجتمع، وأن نخفض من ملايين الوفيات السنوية الناتجة عنها.