استمرت المظاهرات والاحتجاجات في مدينة البصرة العراقية، وتوقف ميناء أم قصر الرئيسي في العراق عن العمل عقب اندلاع اشتباكات عنيفة بين محتجين وقوات الأمن، حيث قتل متظاهر وأصيب 25 آخرون.
إغلاق ميناء أم قصر لم يأت من فراغ، لأن هذا الميناء هو شريان الحياة الوحيد للعراق.. ومن أهم مطالب المتظاهرين دعوة القيادة العراقية إلى الاهتمام بالبصرة وأهلها.
لكن مَن المسؤول الأول عن تردي الأوضاع في هذا البلد المنكوب بأزماته؟
المسؤول الأول هو الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية الطائفية التي حكمت العراق منذ عام 2003.. لماذا لم تعر الأحزاب الدينية الطائفية أي اهتمام لمصالح العراق وشعبه؟ هذه الأحزاب لا تحمل أي فكر أو نهج لكيفية إدارة الحكم، وكل همها هو الوصول إلى سدة السلطة ونهب خيرات العراق، باسم الدين تارة وباسم المذهب تارة أخرى.
لقد لعبت الدولة الدينية الطائفية في إيران دوراً كبيراً في الحال الذي وصل إليه العراق، لأنّ هذه الدولة الجارة التي تكن لها الأحزاب الدينية العراقية ولاءً مطلقاً، لا تعير أي اهتمام للشعب العراقي، رغم حقيقة أن حكام العراق الجدد هم من الشيعة بكل أحزابهم وحركاتهم.. لكن الإيرانيين لا يحترمون الساسة العراقيين، ولا يريدون للعراق أن يستقر ويتطور، والدليل على ذلك تحويل نهر كارون وروافده المائية الأخرى التي تنبع من إيران وتصب في نهر دجلة، مما أدى إلى نقص المياه وبروز حالات تسمم نتيجة لتلوث مياه شط العرب ونفوق أسماكه.
والسؤال الآن هو: لماذا تعاقب إيران الحكومة الشيعية في العراق، رغم وقوف الأحزاب الشيعية العراقية الحاكمة مع إيران الخمينية؟
الجواب ببساطة هو أن منطلق إيران السياسي ليس دينياً أو مذهبياً، كما تدعي، وليس همّها أن تحمي الشيعة العرب كما تزعم.. بل واقع الحال وحقيقته المرة أن إيران الخمينية منطلقها قومي متعصب، وهي تكره العرب وتريد هزيمتهم، لأن العرب سبق أن هزموا الإمبراطورية الفارسية.
ويبقى السؤال معلقاً: هل يستقر العراق بعد تشكيل الحكومة الائتلافية القادمة؟ وهل يتفق الساسة العراقيون على نهج وطني قومي يهتم بمصالح الشعب العراقي، بدلاً من مصالح أحزابه وحلفائها الإيرانيين؟
تنبع خصوصية مظاهرات البصرة الحالية من حقيقة أن هذه المظاهرات التي بدأت سلمية، وذات مطالب خدمية تتعلق بتحسين الخدمات الضرورية، من مياه وكهرباء وغيرها.. تحولت إلى مظاهرات دموية بسبب فقدان الثقة بين المواطن العراقي وحكومته. وهذه الأخيرة لا يمكن أن تحل كل المشاكل الحالية عبر إطلاق تصريحات ووعود بالإسراع في الإصلاح.
هناك تصور خاطئ لدى الحكومة وكثير من ساسة الأحزاب الطائفية في العراق، وهو أن مجرد الحوار يمكن أن يحل كل المشاكل العالقة.. لكن غاب عن ذهن القادة والمسؤولين أن الديمقراطية من دون تحقيق الوعود الخدمية، من إيصال الخبز والماء الشروب والكهرباء والصحة والتعليم، وكل الخدمات الأخرى المطلوبة، لن تستمر طويلاً.. خصوصاً في دولة مثل العراق الغني بنفطه وبثرواته الطبيعية الأخرى. لكن هذا البلد الغني بموارده الطبيعية والبشرية ابتلي بساسة فاسدين يتاجرون بالدين والمذهب للاستمرار في السلطة. واليوم كل الأمور انكشفت، ولم يعد الشعب العراقي يثق بكثير من أولئك الساسة.