استطاعت دولة الإمارات في غضون سنوات قليلة أن ترسخ مكانتها باعتبارها واحدة من أهم الوجهات الجاذبة للسائحين في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وهذا لم يأتِ من فراغ، وإنما نتيجة للجهود والسياسات التي اتخذتها الدولة بهدف الارتقاء بهذا القطاع الحيوي وتعظيم مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. ولعل من المؤشرات المهمة التي تكشف بوضوح نجاح الإمارات في الاستثمار في القطاع السياحي، وخاصة «السياحة الحلال»، ما أكدته دراسة صادرة عن غرفة تجارة وصناعة دبي مؤخراً، أشارت إلى أن الإمارات تحتل المركز الأول عالمياً في الإنفاق على السياحة الحلال بحجم إنفاق بلغ نحو 17.6 مليار دولار خلال عام 2017، كما أنها استمرت في صدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث توافر أكثر بيئات العمل تنافسية للاستثمار في أنشطة السفر والسياحة، وجاهزية التكنولوجيا المتقدمة وتقديم أفضل البنى التحتية للنقل الجوي في العالم.
ولا شك في أن استثمار الإمارات في السياحة الحلال، وتفوقها في هذا المجال على الصعيدين الإقليمي والدولي، إنما يواكب اهتمامها بالاقتصاد الإسلامي، ومساعيها المستمرة كي تكون الدولة الرائدة عالمياً في هذا القطاع الحيوي الذي يُعنى بالمنتجات والخدمات والأنشطة الاقتصادية التي تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، والسياحة الحلال تعتبر واحدة من أهم هذه الأنشطة، وخاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار التقديرات التي تشير إلى أن الإنفاق في شريحة السفر الحلال حالياً يصل إلى 180 مليار دولار ويتوقع أن يبلغ 220 مليار دولار بحلول عام 2020، كما يتوقع أن يحقق عدد المسافرين المسلمين نمواً من 131 مليون مسافر في الوقت الحالي، أو ما يشكل 10% من إجمالي السياح العالميين، إلى نحو 156 مليون مسافر في أنحاء العالم بحلول عام 2020، وهذا يوكد أن السياحة الحلال تمثل رهاناً ناجحاً يمكن الاعتماد عليه في تعزيز مكانة الإمارات السياحية في غضون السنوات المقبلة، ولاسيما أنها تمثل الخيار الأمثل لقطاع كبير من السائحين القادمين من الشرق الأوسط والعديد من الدول الإسلامية، يضعون العادات والتقاليد الإسلامية ضمن معايير اختيار وجهاتهم السياحية. ولعل من المؤشرات التي تؤكد ذلك مجيء الإمارات في المرتبة الأولى في تطوير أفضل النظم البيئية الحلال، ضمن التقييم العالمي لوجهات السفر، وفقاً لتقرير الاقتصاد الإسلامي العالمي 2016-2017، الذي أعدته ونشرته وكالة تومسون رويترز للأنباء، وذلك بحسب التصنيف العالمي الذي يقيم دول العالم، استناداً إلى 4 معايير، تشمل حجم السياحة الإسلامية التي تستقبلها، وجودة أنظمتها البيئية الحلال، وحملات التوعية، وحجم مساهمة القطاع في التوظيف.
ولعل ما يعزز من مكانة الإمارات في السياحة الحلال هو نجاحها في وضع الأطر القانونية والتشريعية والتنظيمية التي تضمن تقديم المنشآت السياحية والأعمال أطعمة حلالاً، والالتزام بالتعليمات المستمدة من الشريعة الإسلامية من حيث منشأ الطعام وطريقة الطبخ وتقديمه وفصل أماكن إعداد المأكولات الحلال عن غيرها من الأطعمة والمأكولات، فضلاً عما تمتلكه الدولة من العديد من المقومات التي تزيد جاذبيتها السياحية بوجه عام، وفي مقدمتها الأمن والأمان، فأول ما يبحث عنه السائح هو الأمان، وهذا ما توفره دولة الإمارات، التي أصبحت تتصدر دول المنطقة من حيث السلامة الشخصية، ومستويات الأمن والاستقرار، كما تتمتع الإمارات ببِنية تحتية متقدمة تضاهي المستويات العالمية في العديد من المجالات التي تهم السائحين، من اتصالات متقدمة، ومراكز صحية عالمية، وأحدث المراكز التجارية، وأفخم المرافق الفندقية، والتي تسهم في جذب قطاع عريض من السائحين للقدوم إلى الدولة، فضلاً عن نجاحها في توفير أنواع من السياحة تناسب قطاعاً كبيراً ممن يطلق عليهم «سائحي النخبة»، كسياحة السفاري وتسلق الكثبان الرملية، وهذه الأنواع متوافرة في العديد من المناطق داخل الدولة.
إن النهج السليم الذي تتبنّاه الإمارات في تطوير القطاع السياحي، ونجاحها في توفير بدائل سياحية متنوعة، كالسياحة الحلال، والسياحة العلاجية، وسياحة المؤتمرات والأعمال، وسياحة التسوق والترفيه، وسياحة الفعاليات الرياضية الكبرى كل ذلك يعزز مكانتها على خريطة الدول السياحية المهمة في العالم.

*عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.