في عام 1955، أبرمت الولايات المتحدة وإيران معاهدة، على قلة ذكرها إلا أنها لا تزال سارية حتى الآن. وحتى في الوقت الراهن، تلجأ إليها طهران عندما تعتبر أنها ذات منفعة.
ولا تزال معاهدة الصداقة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية تلعب دوراً في العلاقة بين البلدين. وتبدو المادة الأولى في المعاهدة شديدة الوضوح إذ تنص على ضرورة: «وجود سلام راسخ ودائم وصداقة مخلصة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران».
وفي أعقاب الثورة الإيرانية، وما لحقها من احتجاز الرهائن من الدبلوماسيين الأميركيين، قطع الجانبان العلاقات الدبلوماسية والسياسية كافة، لكن على رغم من ذلك، ولسبب غير واضح تماماً، لم يلغيا هذه المعاهدة. ولم يتم تطبيع العلاقات بينهما أبداً، حتى في فترة التقارب أثناء سنوات أوباما التي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي في عام 2015.
وهذا التاريخ الغريب له تأثير مباشر على مصير أحد المواطنين الأميركيين على الأقل هو «سياماك نمازي»، الذي يقضي عقوبة في سجن «إيفين» سيئ السمعة في طهران بسبب تعاونه المفترض مع «حكومة معادية»، وبالتحديد الحكومة الأميركية.
وهذه التهمة معلبة وجاهزة في معظم الأحيان لتوجيهها إلى المواطنين مزدوجي الجنسية من قبل النظام القضائي الإيراني، غير أنه في الوقت ذاته، وعلى نحو غريب، قضت المحكمة العليا في إيران في وقت سابق، مستشهدة بالمعاهدة من بين أمور أخرى، أن إيران ليس لديها أعداء.
والآن، من الملحوظ أن إيران تستخدم المعاهدة ذاتها كأساس للقضية القانونية التي تلاحق خلالها الولايات المتحدة لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي. وتقاضي طهران واشنطن بسبب الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه إدارة ترامب العام الجاري.
وقال «محسن محبي»، الذي يمثل النظام الإيراني في حججه الافتتاحية: «إن الولايات المتحدة تروج علانية لسياسات المقصود منها الإضرار بأقصى قدر بالاقتصاد الإيراني والشركات الإيرانية المحلية، ومن ثم المواطنين الإيرانيين»، مشيراً إلى أن هذه السياسة تمثل انتهاكاً لمعاهدة الصداقة الموقعة في 1955.
وغرابة وازدواجية الاستدلال بهذه المعاهدة عندما تكون ذات نفع وتجاهل وجودها عندما لا تكون كذلك، وخصوصاً عندما يحدث ذلك في أسبوع واحد، تكشفان موقف إيران الانتهازي في الشؤون الدولية، وهو ما يؤثر على قضية «نمازي».
وقال «جاريد جينسر»، المحامي الذي يمثل أسرة «نمازي» في الولايات المتحدة: «نتوقع في ضوء تأكيد حكومة إيران سريان معاهدة الصداقة، أن تسقط المحكمة العليا الإيرانية التهمة عن نمازي».
ويشير إلى حكم مماثل في قضية رُفعت ضد «باقر» والد «نمازي»، وهو أيضاً مواطن أميركي. وتابع: «إن إيران لا يمكنها الاستدلال بمعاهدة الصداقة عندما ترفع قضية ضد أميركا أمام محكمة العدل الدولية، ثم تصنف أميركا على أنها (حكومة معادية) من أجل مواصلة أحكامها ضد مواطنين أميركيين».
وقد أظهرت إيران تناقضاً متطرفاً في تحديد متى تحترم المعاهدة، لذا فهي مطالبة ببدء احترام تطبيقها في تعاملها مع قضية «نمازي» وآخرين. غير أن القادة الإيرانيين أنفسهم الذين يزعمون أن النظام القضائي في إيران مستقل تماماً هم من سيسوا قضية «نمازي» من البداية، ووضعوه في قلب حملة دعاية واسعة النطاق.
*مراسل «واشنطن بوست» السابق في طهران
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»