منذ هيمنة الملالي على الحكم في إيران أصبح خداع الذات ثقافة وممارسة منهجيةً معتمدة، ولا غنى عنها لترقيع الأوهام وتسويق الأمل الكاذب للإيرانيين، الذين يعيشون على شعارات نظام الولي الفقيه وخيالاته، وبدونها يسقط النظام وتنتهي لعبة الخميني التي قامت منذ بدايتها على الخرافة وعلى استبدال كيان الدولة الحديثة بالدولة الدينية الثيوقراطية التي ترفع الشعارات للاستهلاك العاطفي بعيداً عن الواقع البائس للشعب الإيراني.
وعلى مدى العقود الأربعة الماضية لا يخلو الإعلام الإيراني بكل وسائله من اللجوء إلى استخدام منهج الخداع، وذلك اتساقاً مع أيديولوجيا النظام الذي يشجع رجال الدين على اختطاف كل شيء باسم الثورة، بما في ذلك اختطاف أحلام الإيرانيين واستبدالها بكوابيس العجز والفشل في بناء دولة عصرية تحترم لغة الأرقام وتتوقف عن تسويق الأوهام.
وكعادة الإعلام الإيراني الذي لا يجد غير ترويج الأكاذيب والوعود المستحيلة، تناولت وكالة «أيلنا» الإيرانية الأسبوع الماضي تصريحات تبعث على السخرية، إذ ورد على لسان مسؤول مجموعة «بازار إيران الكبير» (إيران مول) قوله إن «دبي مول» يستقبل سنوياً نحو 80 مليون شخص، مدعياً بأن «إيران مول» قادر على استقبال 100 مليون زائر إيراني وأجنبي سنوياً!
نستشف من اللهاث الإيراني المحموم للحاق بدبي وبأيقوناتها السياحية والاقتصادية، أن الاقتصاد الإماراتي يثير الحسد لديهم، وأن الأحلام التي تراودهم ويحاولون خداع الشعب الإيراني بادعاء المقدرة على تحقيقها تتمثل في إعلان الرغبة في منافسة المجمعات التجارية الكبرى في الإمارات، بدليل قيام الإيراني جمشيد اثنى عشري، مدير عام مجموعة «بازار إيران الكبير» باستحضار نموذج «دبي مول» والإعلان عن الأمل لديهم في مجاراة شهرته وعدد زواره. وهذا لن يحدث لأسباب عديدة تتصل بضعف الاقتصاد والسياحة في إيران، وبالمستقبل المظلم والانهيارات التي لم ولن تتوقف في بنية الاقتصاد الإيراني ومنظومته السياسية والمالية.
وفي الواقع لا تتعدى التصريحات الإيرانية بشأن منافسة الإمارات دائرة الخيال والأمنيات المستحيلة، كما أن الشعب الإيراني يعرف أن ثروته وعائداته المالية تذهب لتمويل صراعات وحروب طائفية متفرقة، تعتبرها حكومته الدينية حروباً مقدسة، وترى أن تمويلها أهم بكثير من توفير الرفاهية والسعادة للإيرانيين. وهكذا يدفع الشعب الإيراني المغلوب على أمره ثمن مغامرات نظام بلاده المتطرف الذي يتحكم به حفنة من الملالي المعجونين بالخرافة والمراهنة على المعجزات التي انتهى زمنها.
تصريحات المسؤول الإيراني المهووس بمنافسة السياحة في الإمارات تفتح الباب كذلك أمام الإيرانيين أنفسهم لرؤية الوضع في بلدهم على حقيقته، حيث يجب عليهم الإدراك أنه من المستحيل تحقيق طفرة اقتصادية مفاجئة في الاقتصاد الإيراني، في ظل العقوبات الخارجية المتزايدة، وفي ظل التضخم وانهيار العملة والاستحقاقات القاسية التي تنتظر اقتصاد إيران وتنذر بحصول انكماش غير مسبوق قبل نهاية العام الجاري، وبخاصة عندما يتم تنفيذ وجبة جديدة من العقوبات الأميركية في نوفمبر المقبل من المقرر أن تستهدف صناعة النفط الإيرانية، الأمر الذي سينعكس سلباً على المصدر الأهم للإيرادات الإيرانية وهو تسويق النفط.
وبالعودة إلى اهتمام المسؤول الإيراني بإحصائيات عدد زوار مول دبي، نضيف إلى معلوماته المتواضعة أن بلاده التي عزلت نفسها عن العالم وقررت العيش داخل الأوهام لن تنجح في اللحاق بالإمارات في جوانب كثيرة، وليس فقط في مجال تحطيم الرقم القياسي لعدد زوار المراكز التجارية الكبرى. فمثلا تجب ملاحظة أن صورة إيران العامة لدى السائح العالمي ملبدة بمخاوف ومحاذير تجعلها خارج دائرة الوجهات السياحية الدولية وبعيدةً بشكل تام عن تفكير السائح الغربي. في حين تبقى الإمارات الوجهة الأكثر تفضيلاً على مستوى الشرق الأوسط.
ومن أحدث الأرقام القياسية في الإمارات، تسجيل مطار دبي الدولي إحصائيات جديدة، حيث سجل ثاني أكثر شهر ازدحاماً في تاريخه بعدما تخطى حاجز الثمانية ملايين مسافر مؤخراً. أما حركة المسافرين في مطار دبي من بداية العام حتى الآن فبلغت (51 مليوناً و947 ألفاً و92 مسافراً) بزيادة قدرها 1,6% مقارنة مع الشهور السبعة الأولى من عام 2017 وبالتالي لا وجه للمقارنة، فالإمارات تتحدث بلغة الأرقام بينما إيران غارقة في الأوهام!