بعد شهرين على الوعود التي أُطلقت في قمة سنغافورة، عادت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى المربع الأول، حيث يتبادل البلدان الآن الاتهامات بشأن المسؤولية عن الفشل في تطبيق الاتفاقات.
المؤشرات الأولى للتأزم ظهرت بعد أقل من شهر على اجتماع سنغافورة، عندما سافر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بيونج يانج من أجل التفاوض حول عملية إزالة الأسلحة النووية، حيث لم يحرز الطرفان أي تقدم، كما اتهم الكوريون الشمالية بومبيو صراحة بتقديم مطالب «أحادية الجانب شبيهة بمطالب العصابات».
ومنذ ذلك الحين، اشتكى وزير الخارجية الكوري الشمالي من أن الولايات المتحدة أخذت «ترفع صوتها أكثر مطالبة بالإبقاء على العقوبات»، هذا في حين اتهمت وزارة الخارجية إدارة ترامب بالتشبث بـ«نص سيناريو قديم» والمناورة من أجل تكثيف «العقوبات الدولية والضغط». وقد تحدّث بومبيو بالفعل عن مواصلة العقوبات، بينما قال مستشار الأمن القومي «جون بولتون» إن بيونج يانج فشلت في اتخاذ الخطوات التي يرى البيت الأبيض أنها «ضرورية من أجل إزالة الأسلحة النووية».
ما يفسر خيبة الأمل هذه هو فهم مختلف لما اتفق عليه الرئيس دونالد ترامب وكيم جونغ أون في سنغافورة. صحيح أن الجانبين اتفقا على أن تخضع كوريا لـ«عملية إزالة الأسلحة النووية»، ولكن ما الذي يعنيه ذلك بالضبط؟ إدارة ترامب تؤوله باعتباره عملية بسيطة تتألف من خطوتين: إزالة كاملة وفورية للأسلحة النووية، وبعدها تُرفع العقوبات وتتدفق كل المزايا. غير أن كيم خرج من القمة وهو يعتقد أنه حصل على اتفاق من أجل عملية «خطوة مقابل خطوة» تحدث بتواز مع حزمة تدابير تفضي إلى علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية عادية مع الولايات المتحدة. ويشمل ذلك رفع العقوبات الاقتصادية، واعترافاً دبلوماسياً، وضمانات أمنية، واتفاقية سلام تخلف اتفاق وقف إطلاق النار الحالي الذي أنهى الحرب الكورية في 1953.
ولكن للأسف جاء البيان المشترك الذي صدر عن ترامب وكيم جد فضفاض لدرجة تجعله غير مفيد. ويتكون من أربعة عناصر مرتبة حسب الأهمية، وهي: إقامة «علاقات أميركية- كورية شمالية»، وتعهد كوري شمالي «بنزع كامل للأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية». وبدء «عملية سلام دائمة ومستقرة على شبه الجزيرة الكورية»، وتنفيذ عملية الإعادة الفورية لرفات الأميركيين من الحرب الكورية إلى الولايات المتحدة. غير أنه من بين كل هذه العناصر، لم يحدث تقدم سوى بخصوص العنصر الأخير، الذي أضافه ترامب إلى قائمة المطالب في آخر لحظة. عدا ذلك، فإن البلدين يوجدان الآن أمام طريق مسدود بسبب الخلاف حول أي الخطوات ينبغي أن تكون الأولى – وهي مشكلة مألوفة يسميها الدبلوماسيون التسلسل. ولا شك أن الضغط سيتصاعد قريباً، مهدِّداً الآمال التي انتعشت في القمة ومؤدِّياً إلى دورة أزمة مألوفة جداً.
ولتجنب هذه النتيجة، يتعين على الإدارة الأميركية توسيع العملية الدبلوماسية. ولعل الطريقة الأكثر فعالية للقيام بذلك تتمثل في إنشاء «مكتبي اتصال» دبلوماسيين متبادلين في بيونج يانج وواشنطن، وهو ما من شأنه أن يرسل رسالة قوية مؤداها أن الولايات المتحدة مستعدة لتطبيق الالتزام الأول من قمة سنغافورة، بالتوازي مع اختبار جدي لإصرار كوريا الشمالية على أنها تسعى إلى «علاقات جديدة» مع واشنطن.
والواقع أن مكاتب الاتصال لديها سجل قوي في المساعدة على تطبيع العلاقات مع خصوم سابقين آخرين في آسيا. وتُعتبر مكاتب الاتصال التابعة لوزارة الخارجية الأميركية بمثابة سفارات في الحدود الدنيا، وهي ضرورية من أجل الاشتباك الدبلوماسي المنتظم، الذي أثبت أنه ضروري في إقامة علاقات دبلوماسية كاملة. وعلى سبيل المثال، فإن مكتبي الاتصال في بكين في السبعينيات وهانوي في التسعينيات ساعدا على حل عدد من النزاعات الشائكة، من رفع العقوبات، إلى استعادة أسرى الحرب، إلى توسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية. ذلك أن الوجود المتواصل وفرص الحوار التي وفّرها مكتبا الاتصال أدت في ظرف بضع سنين إلى فتح سفارات كاملة في بكين في 1979 وفي هانوي في 1995.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»