منذ فجر التاريخ عمد الإنسان إلى إضافة مواد مختلفة لطعامه، إما لحفظه لفترة أطول ومنع فساده وتلفه، أو لحفظ نكهته وطعمه، أو حتى لتحسين مذاقه ومظهره. فعلى سبيل المثال، ولقرون طويلة، استخدم الإنسان الخل لتخليل الطعام، أو الملح للتمليح والحفظ طويل الأمد، أو السكر لصناعة مربى الفواكه والحلويات، أو استخدام ثنائي أكسيد الكبريت لتحسين مذاق ورائحة النبيذ والخمور.
وبحلول النصف الثاني من القرن العشرين، اتخذ هذا التقليد منحى جديداً، مع الانتشار الواسع للأطعمة المصنعة والمعلبة، والذي ترافق بتوسع هائل في أنواع وأشكال ما أصبح يطلق عليه مضافات الطعام (Food Additives)، والتي تضمنت مواد طبيعية، بالإضافة إلى عناصر كيميائية مصنعة.
ونتج عن هذا التغير الجوهري في طبيعة غذاء أفراد الجنس البشري، وازدياد اعتمادهم على الأطعمة المصنعة والمجهزة سابقاً في غذائهم اليومي، إلى تطوير وتخليق مضافات طعام يمكنها أن تلبي احتياجات إنتاج الغذاء في المصانع بكميات هائلة ومهولة، مقارنة بالكميات الصغيرة التي كانت تنتج وتحفظ في مطابخ المنازل. ولتحقيق هذا الهدف، كان لا بد أن تتمتع تلك المضافات بالقدرة على إبقاء الطعام المصنع سليماً وآمناً، وفي حالة جيدة، خلال رحلته من المصانع وعبر المخازن ومحال البيع، إلى أن يصل لطاولة المستهلك.
وقبل الاستطراد هنا في الحديث عن مضافات الطعام، يجب أن نفرق بين نوعين أساسيين، النوع الأول الذي يهدف إلى زيادة القيمة الغذائية من خلال إضافة الفيتامينات وبعض العناصر الأساسية، والنوع الثاني الذي يهدف لحفظ الطعام أو تحسين طعمه ونكهته، أو غيرها من الأسباب المتعلقة بقطاع تصنيع الطعام وتعليبه بكميات هائلة.
ولطالما حمل النوع الثاني من مضافات الطعام سمعة سيئة بين العامة، كونه في الغالب يعتمد على مواد كيميائية تم تصنيعها في المختبرات والمعامل، وهو ما أثار الشكوك في احتمال تسببها في تأثيرات صحية سلبية. وربما يعود جزء كبير أيضاً من هذه السمعة السيئة إلى أن حمض «البوريك»، والذي كان من أوائل المواد الحافظة للطعام، اكتشف لاحقاً أنه عالي السمية، مما أدى إلى منع استخدامه دولياً منذ عقد الخمسينات. وحالياً يتم تقييم مدى أمن وسلامة مضافات الطعام، بجميع أنواعها وأشكالها، وبالتحديد تقدير ما إذا كان لها آثار سلبية على صحة الإنسان، من خلال مجموعة مستقلة من العلماء والخبراء التابعين لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو»، ومنظمة الصحة العالمية.
وإن كان هذا لم يمنع من الحين والآخر من ظهور مخاوف محددة بين العامة، كتلك المخاوف من وجود علاقة بين مضافات الطعام واضطراب فرط النشاط الزائد بين الأطفال، على الرغم من تواتر الدراسات التي لم تجد دليلاً واضحاً على وجود مثل هذه العلاقة. وتعتبر حالياً مضافات الطعام من القطاعات التي يتم تنظيمها بدقة وحرص شديدين. فعلى سبيل المثال، في دول الاتحاد الأوروبي يستغرق الموافقة على نوع جديد من مضافات الطعام قرابة عشر سنوات. حيث يخضع المضاف الجديد لخمس سنوات من اختبارات الأمن والسلامة، يعقبها عامين من التقييم والتمحيص من خلال الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية، ثم ثلاث سنوات إضافية قبل أن يحصل المضاف المعني على الاعتماد والموافقة على استخدامه في دول الاتحاد الأوروبي. وبشكل مماثل في بقية الدول الغربية والصناعية، تخضع مضافات الطعام للفحص والتدقيق من قبل الجهات المعنية بالسلامة الغذائية.
وبعيداً عن أن تكون مضافات الطعام سبباً في حد ذاتها لأثار صحية سلبية، يعتبر الغذاء المحفوظ لفترات طويلة، سواء كان بسبل طبيعية أو بمواد اصطناعية، أقل في الجودة على صعيد القيمة الغذائية والمحتوى من العناصر الغذائية الأساسية، مثل الفيتامينات والمعادن. وتتجسد هذه الحقيقة بشكل أكبر وأعمق في حالات الأغذية المصنعة، وفائقة التصنيع، والتي أصبحت تتزايد الشكوك في أنها قد تكون في حد ذاتها ضارة بالصحة، بغض النظر عن نوع أو كمية المواد الحافظة أو مضافات الطعام الموجودة بها. فعلى سبيل المثال، أعلنت منظمة الصحة العالمية في 2015، من خلال الوكالة الدولية لأبحاث السرطان بأن اللحوم المصنعة في حد ذاتها يمكن أن تصنف كمواد مسرطنة. ولذا تبقى النصيحة الغذائية الأساسية متمثلة في: الاعتماد على أطعمة طازجة قدر الإمكان، مع تناول كميات كافية من الخضراوات والفواكه في الغذاء اليومي، وتحقيق التوازن بين أصناف الغذاء المختلفة، مع الاعتدال في الكميات، وخصوصاً من الأطعمة مرتفعة المحتوى من السعرات الحرارية.