بعد مهاجمتها لامرأتين مسلمتين في برلين بألمانيا، قضت محكمة ألمانية حكماً قضائياً نافذاً على متقاعدة عجوز بغرامة مالية بسبب «تعرضها للأديان». العجوز نفت هذا الأمر وقالت، إن الاعتداء حصل كونها كانت غاضبة فقط، وهو ما لم يقنع هيئة المحكمة.
اعتدت امرأة عجوز ألمانية متقاعدة (اسمها فيرونيكا هـ. وعمرها 68 عاماً) في برلين على سيدة من أصول تركية وابنتها (سناء) أثناء عبورهما الشارع عند الإشارة الضوئية، وحاولت نزع الحجاب عنهما ووصفتهما بأنهما «مسلمات قذرات»، وهو ما حاولت العجوز نفيه خلال جلسة محاكمتها الأربعاء (22 أغسطس 2018) بتهمة الاعتداء على امرأتين مسلمتين في يناير 2018. وحاولت المسنة الألمانية الدفاع عن نفسها قائلة، إن الغضب كان يمتلكها بسبب نساء مسلمات ضايقنها على رصيف الشارع. لكن المحكمة الألمانية رأت أن المتهمة اعتدت على السيدتين بشكل متعمد بسبب لباسهما الذي يظهر بوضوح أنهما مسلمتين. كما أن السباب الذي أطلقته المرأة كان يبدو أنها تحاول النيل منهما كونهما مسلمات، وقضت المحكمة بتغريمها مبلغ 2400 يورو، حيث أخذت المحكمة بعين الاعتبار راتب تقاعد المشتكى عليها. وكانت النيابة العامة قد طالبت بحبس المتهمة لمدة 60 يوماً، إلا أن المحكمة اكتفت بالغرامة المالية.
يلزم الدستور الألماني إدارة الدولة بالحق والقانون، إذ تبدأ المادة الأولى من الدستور الألماني كما يلي: «كرامة الإنسان مصونة ويقع واجب حمايتها واحترامها على كل سلطات الدولة».
فلا يجوز المساس بكرامة الإنسان وتلتزم الدولة في مؤسساتها كافة باحترامها وحمايتها. لا تشكل كرامة الإنسان البند الأول من الدستور الألماني فقط، فالمادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الصادر عن الأمم المتحدة تتحدث عن الشأن ذاته: «يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق». يكفل القانون الأساسي للجمهورية الألمانية حرية الأديان، إذ لا توجد أقليات دينية مضطهدة رسمياً، بل هناك اتفاقيات بين الحكومة الاتحادية والكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية، والذي يتلقى بموجبه أبناء هذان المذهبان دروساً دينية في المدارس الحكومية. وتعوض الحكومة هذه الدروس باقتطاع نسبة ضريبية على السكان من أبناء هذه المذاهب (حوالي 9%)، قامت الحكومة الاتحادية بعقد اتفاقيات مماثلة مع أبناء الطائفة اليهودية، عن طريق المجلس المركزي لليهود بألمانيا. وتضمن الحقوق الأساسية أيضاً أموراً، منها المساواة في الحقوق: جميع الأفراد لهم نفس الحقوق. فمثلاً يتمتع النساء والرجال بنفس الحقوق، حرية التجمع: يجوز للأفراد التجمع في مجموعات، المساواة أمام القانون: جميع الأفراد أمام القانون سواء، الحق في حرية التعبير عن الرأي: يجوز للأفراد التعبير عما يعتقدون.
تشكل قضية الحرية الدينية موضوعاً أساسياً في الدستور الألماني، إذ ينص على أنه: يجوز لكل فرد اختيار ديانته بحرية، ويجوز له ممارسة شعائرها. وتقريباً ثلث السكان في ألمانيا لا يدينون رسمياً بأية ديانة. ويدين معظم الألمان بالديانة المسيحية، ويتفرعون أيضاً إلى الطائفة الكاثوليكية الرومانية أو الطائفة الإنجيلية. الكثير من الأعياد المسيحية مثل عيد الميلاد أو عيد الفصح تعتبر أيام عطلات رسمية. وهذا يعني أن معظم الأفراد يجب ألا يعملوا في هذه الأيام.
ويعود تاريخ الإسلام في ألمانيا إلى ثلاثينيات القرن العشرين، ويزيد في وقتنا الحاضر عدد المسلمين عن ستة ملايين، منهم أربعة ملايين من غير الألمان. وتوجد في المدارس حصة تربية دينية للمسيحيين الإنجيليين والكاثوليك. وفي بعض المدارس توجد أيضاً حصة تربية دينية للمسيحيين الأرثوذوكس واليهود والمسلمين. ويستطيع الوالدان تقرير ما إذا كان يتعين لطفلهما حضور حصة التربية الدينية. وهما اللذان يقرران أيضاً نوع حصة التربية الدينية التي يتعين لطفلهما حضورها.
وعلى الرغم من أهمية هذا المبدأ، لا يزال بعض المشككين يقولون إن «كرامة الإنسان» هي مفهوم أو معتقد ديني، لكنّ الدستور الألماني كما كل الوثائق الدولية لحقوق الإنسان تضمن حرية الأديان والمعتقدات المختلفة، وبالتالي لا يمكن إقامة مبدأ كرامة الإنسان وفقًا لدينٍ ما دوناً عن غيره، لأن هذا من شأنه أن يتعارض مع تلك الحرية. فأمام صعود الأحزاب والحركات اليمينية في أوروبا وحزب «البديل من أجل ألمانيا» العنصري الذي يصر على أن الإسلام لا يمكن أن يكون جزءًا من الهوية الألمانية، وباستحالة اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية، هل ستصمد ألمانيا دولة الحق والقانون أمام ذلك؟ أم ستنتصر الشعبويات فتحل النازية والفاشية مكان الديمقراطية ليبعث هتلير جديد في ثوب أبيض؟