ماذا عن مستقبل أجيال اليمن؟ أليس بينكم من منظمة أممية، حقوقية، منصفة، وغير مخترقة، تقول كلمتها فيهم؟ هذا ما سيجري على لسان من ينظر في آخر تقارير الأمم المتحدة الصادر منذ أسبوعين، فقد وردت في ثناياه الصادمة جملة عن أطفال الروهينجا مروعة، مفادها «إن جيلاً كاملاً من أطفال الروهينجا لا مستقبل لهم». وهذا يعني أن حلقة كاملة من حلقات التطور الاجتماعي سقطت، وأن السلسلة الطبيعية لتطور هذه الفئة الاجتماعية انقطعت، وأن المؤرخين سيتساءلون لاحقاً عن مسببات تلك القطيعة الاجتماعية الثقافية التي حدثت للخيط الناظم اجتماعياً وثقافياً لهذه الفئة البشرية.. فئة على الرغم من الظلم الواقع عليها، تبقى مكوناً من مكونات المجتمع البورمي الذي كان مستعمرة بريطانية حتى عام 1946. لن أذهب بعيداً في عرض ما جاء بالتقرير حول عذابات هذه الفئة المنبوذة عرقياً وسياسياً، كونها باتت معروفة للجميع مراقبين ومحللين، خصوصاً المفارقة المضحكة المبكية في المأساة، فرئيسة بورما أونج سان سو تشي تحمل جائزة نوبل للسلام. لكن ما قد يكون مروعاً حقاً في سياق متصل، أن الأمم المتحدة لم تصدر حتى الآن تقريرها الذي ينتظره العالم عن أطفال اليمن، فالعالم كان يتوقع تقريراً شاملاً ومنصفاً ومتزامناً وبالحماس والقلق ذاتهما، يتضمن مخاوف ربما تكون أشد مما ورد في تقرير أطفال (الروهينجا)، فإذا كان جيلاً كاملاً من أطفال الروهينجا لا مستقبل له، فالأرجح وبعملية حسابية بسيطة تؤخذ فيها مسألة النسبة والتناسب، أن جيلين كاملين من أطفال اليمن لا مستقبل لهما، وتالياً الجردة بالأرقام: (.. كشفت المنظمات الحقوقية المختصة، ومنها الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) ومنظمة شاهد للحقوق والتنمية، أن جماعة «الحوثي» الانقلابية جنّدت خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من 14170 طفلاً، قُتل منهم ما لا يقل عن 1670 طفلاً، وأُسر381، علاوة على قتل الجماعة - في خلال الفترة نفسها - ما لا يقل عن 2985 طفلاً بالقصف، والقنص، والألغام، وغيرها من الانتهاكات ضد الطفولة). وجاء في تقرير هذه المنظمات الحقوقية (أن الميليشيات الانقلابية حرَمت أكثر من 4.5 مليون طفل يمني من التعليم، منهم مليون و600 ألف طفل، حُرموا من الالتحاق بالمدارس خلال العامين الماضيين فقط. كما اتهمت المنظمات «الحوثيين» بقصف وتدمير ألفين و372 مدرسة جزئياً وكلياً، واستخدام أكثر من 1500 مدرسة أخرى كسجون وثكنات عسكرية. وأضيف هنا أن الأطفال اليمنيين الجرحى والمصابين يعالجون على الفور في مستشفيات السعودية والإمارات، وهذه للعلم قيمة أخلاقية حميدة خارجة على قوانين الاشتباك الميداني في الحرب مع عصابة «الحوثي» المتفلّتة من كل قيمة إنسانية. أما الأطفال اليمنيون المأسورون فبعد تفقد احتياجاتهم الضرورية والطبية، يُعاد تأهيلهم نفسياً في مراكز متخصصة ويسلمون إلى ذويهم بإشراف منظمات الأمم المتحدة، ليستأنفوا حياتهم الطبيعية ويلتحقوا بمدارسهم هذا إنْ بقيت في مناطقهم مدارس عامرة مبنىً ودرساً. يبدو وكما قال الشاعر العربي: أسمعت لو ناديت حياً. لكن الأمم المتحدة، وليس لدينا خيار غيرها بيتاً أممياً، لا تسمع إلا حينما تريد أن تسمع، ولا تبصر إلا حينما تريد أن تبصر، مهما كانت الأمور واضحة وكانت الحقائق والشواهد دامغة. من يدري، فلعل المنظمة الأمميّة وبدلاً من أخذها للحكمة اليمانية، أخذت حكمة أخرى مفادها: لا أرى، لا أسمع، والكلام يصير صمتاً طويلاً وثقيلاً على المتفائلين.