يلعب الرئيس في النظام السياسي الأميركي دوراً محورياً فله كل السلطة التنفيذية بالإضافة إلى اختصاصاته التشريعية التي تشمل الاعتراض على مشروعات القوانين التي جرت الموافقة عليها من مجلسي الكونجرس، وفي هذه الحالة لا تصبح نافذة إلا بأغلبية الثلثين وكذلك اختصاصاته القضائية المتمثلة في ترشيح قضاة المحكمة العليا وغير ذلك، ويعنى هذا أنه في حالة تمتع الرئيس بأغلبية في الكونجرس تكاد سلطته أن تكون مطلقة، ولذلك أحاط الدستور الأميركي عملية عزل الرئيس بقيود مشددة تتمثل في ألا يوجه اتهام له إلا من قبل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة على أن يُحاكم أمام مجلس الشيوخ الذي يتولى رئاسته في هذه الحالة رئيس المحكمة العليا ولا تتم الإدانة إلا بأغلبية الثلثين، وهو ما لا يمكن أن يحدث عملاً إلا في حالة توافر شرطين، أولهما أن تكون التهمة شديدة الخطورة كانتهاك الدستور، والثاني ألا تكون للرئيس أغلبية داخل الكونجرس، والحقيقة أن الشرط الأول هو الأهم لأن الجُرم لو كان خطيراً سوف يستحيل حتى على الأعضاء المنتمين لحزب الرئيس أن يدافعوا عنه حفاظاً على صدقيتهم ومستقبلهم السياسي، ونلاحظ أن التاريخ الأميركي لم يشهد سوى ثلاث محاولات لعزل الرئيس وقعت الأولى منها في1868 مع الرئيس أندرو جونسون وكان متهماً بمعارضة منح الحقوق السياسية للعبيد المحررين وأفلت من الإدانة بفارق صوت واحد إذ وافق على إدانته 35 صوتاً واعترض عليها 19، وجاءت المرة الثانية في 1998 أي بعد حوالى قرن وثلث القرن مع الرئيس بِل كلينتون بتهمة الحنث باليمين وإعاقة العدالة في قضية علاقته بإحدى المتدربات في البيت الأبيض، ولم يحصل قرار إدانته على الأغلبية المطلوبة حيث كان لخصومه «الجمهوريين» أغلبية 55 صوتاً بينما الأغلبية المطلوبة67، ويُلاحظ أن القضية لم تكن بدرجة الخطورة التي شهدتها فضيحة «ووتر جيت» بالنسبة للرئيس ريتشارد نيكسون. وهذه هي الحالة الثالثة لمحاولات العزل، وهي الحالة الوحيدة التي لم يكمل فيها رئيس أميركي مدته بسبب اتهامات قانونية لأن الاتهام كان ثابتاً والتهمة خطيرة، وهي انتهاك الدستور بسبب ما تأكد من علم الرئيس بالتجسس على مقر الحزب «الديمقراطي» أثناء الحملة الانتخابية، ولذلك سارع في 1974 بتقديم استقالته لعلمه باستحالة. نجاته من قرار العزل.
ولذلك يجب أن يكون واضحاً أن الرئيس في النظام الأميركي لا يُعزل بسبب سياساته وإنما مخالفاته والأكثر دقة لارتكابه جريمة كبرى يُمكن تأويلها كخيانة أو انتهاك للدستور وما إلى هذا لأن الاختلاف في السياسات مهما كان أساسياً محله الانتخابات حيث يستطيع الشعب إسقاط الرئيس أما انتهاك الدستور مثلاً فهو تقويض للنظام السياسي ذاته، وعلى الرغم من أن فكرة عزل الرئيس ترامب قد أُثيرت في وقت مبكر نسبياً إلا أنها لم تؤخذ على محمل الجد في حينه ليس لعدم خطورة الاتهامات التي ارتبطت بها ولكن لعدم وجود دليل قاطع عليها، ومن المعروف في السياق الاجتماعي الأميركي أن الاتهامات الأخلاقية ليست خطيرة في ذاتها وإنما لدلاتها القانونية، فكلينتون لم يحُاكم لعلاقته بمتدربة البيت الأبيض وإنما لكذبه بشأن هذه العلاقة. وفي الحالة الراهنة، فإن الاتهام الأخطر يتعلق دون شك بالتدخل الروسي في الانتخابات التي فاز ترامب فيها بالرئاسة وجوهر الاتهام هو ما إذا كان قد حدث تواطؤ بين حملته الانتخابية وبين الروس بشأن التأثير على فرص هيلاري كلينتون في الفوز، والأخطر أن يثبت علم ترامب بهذا التواطؤ. وهنا سوف تأتي النقطة الفاصلة خاصة، وقد أنكر الرئيس كل ذلك، ومن هنا كانت أهمية الإدانة الأخيرة لمحاميه الخاص وكذلك لرئيس حملته الانتخابية بالتورط في أعمال غير قانونية بعلم الرئيس، والأخطر ما صرح به دفاع المحامي المدان من أن موكله يمكن أن يكون مفيداً في قضية التدخل الروسي في الانتخابات وفي حالة شهادته بعلم الرئيس بهذا التدخل والأسوأ التنسيق معه سوف تكون هذه نقطة تحول في المسألة، ترامب أدلى فور إدانة مساعدَيه بحديث حذر فيه من تداعيات العزل، ورغم هذه التطورات لا يجب أن تكون هناك أوهام حول سهولة عملية العزل اللهم إلا ظهرت حقائق دامغة وحاسمة.
*أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة